الإرهاب وجمهوريات الخوف العربية/ كافي علي

حذّر الرئيس الإيراني حسن روحاني السعودية من "قوة إيران وموقعها"، وقال مخاطبا المملكة بأن" أمريكا وأذنابها عجزوا عن مواجهة الشعب الإيراني بكل ما لديهم من قدرات". 
هل إيران قوية؟ وهل كان هناك صراع حقيقي أو مواجهة بين إيران وأمريكا؟ لولا أمريكا ما تمكنت إيران من احتلال العراق بأحزابها ومليشياتها، ولولا فوز ترامب برئاسة البيت الأبيض وانتقال الإستراتيجية الأمريكية من سياسة الفوضى الخلاقة إلى سياسة الاقتصاد، لظلت العلاقات الأمريكية الإيرانية قائمة على التصعيد إعلاميا، والتنسيق سياسيا.
الحقيقة إيران ليست قوية، ولكنها تستمد قوتها من تبعية الشيعة العرب لسياستها، ولو تم تجريدها من تبعية الشيعة العرب لفقدت قوتها ووقعت في شر أعمالها، خاصة في العراق، حيث يرتكز المشروع الإيراني على أسس عقائدية، وليس فقط ظرفية كما في اليمن وسوريا. بالاضافة إلى كثافتهم السكانية العالية، يشترك شيعة العراق وإيران في الإيمان بحكاية الإمام المهدي وفرضية ظهوره، أو انتظار ولاية المخلص الغائب من سلالة النبي محمد. لا الشيعة الزيدية في اليمن ولا العلوية في سوريا يؤمنون بالمهدي وظهوره، وليس هناك سلطة وجدانية لنائبه الفقيه عليهم كالإثنا عشرية في العراق وإيران.  
المشتركات العقائدية والظرفية وفرت عوامل النجاح للمشروع الإيراني في العراق حتى ذابت الدولة في الولاية الفقهية، لكن اقتصارها على العنف والإرهاب في سوريا واليمن عرقلت المشروع وستقوده حتما للهزيمة والتراجع لو انتقلت الأحداث وتداعيتها من مرحلة العنف والإرهاب إلى السياسة والحلول. 
ولأن المشتركات العقائدية وتأثيرها على الشيعة العرب تحتاج إلى جدل فقهي يفترض أن تتبناه الدول الحريصة على استقرارها من تأثير المشروع الإيراني، سنتناول تأثير الخوف من الإرهاب عليهم، وإجبارهم على استبدال هويتهم القومية بالطائفية حتى صاروا اتباع مخلصين للولاية الفقهية لا لعروبتهم.
جلس رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري السابق، حمد بن جاسم، أمام الكاميرات وأخبرنا بأن قطر والسعودية دعما التنظيمات الإرهابية في سوريا كجبهة النصرة. في الوقت ذاته كشفت الوثائق التي نشرتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن عن الدعم الإيراني لعناصر التنظيم بعد هزيمته في أفغانستان. الحوار الذي دار بين ملك السعودية الراحل والشيخ حمد بن جاسم، كما ورد، يبدو كأنه محاولة ناجحة لحمد بن جاسم بإقناع الملك عبد الله بالتنظيمات الإرهابية كخيار ناجح للإطاحة ببشار الأسد ومواجهة المشروع الإيراني في سوريا. وبالعودة إلى الماضي القريب وأحداث العنف والحرب الأهلية في العراق نجد بأن قطر ومن خلال قناة الجزيرة جعلت من الفصائل الإرهابية خيارا ناجحاً لسنة العراق في مقاومة أمريكا وإيران. ورغم أن الأسباب التي دفعت قطر لتوريط المملكة العربية السعودية وسنة العراق بالإرهاب غير واضحة، يكفينا  الدمار الذي لحق بالعراق وسوريا لنقول بأن مواجهة مشروع الخميني بمشروع الإخوان قد فشل فشلا ذريعا بعد إبادة السنة بذريعة الحرب على الإرهاب، وإجبار الشيعة على التخلّي عن هويتهم القومية واللجوء إلى إيران. 
" وأعدو لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم" آية قرآنية اتخذت منها أحزاب وتنظيمات الإسلام السياسي ذريعة لشرعنة الإرهاب في قتال عدوهم أو المختلف معهم. اختار الإخوان من هذه الآية مفردة " وأعدوا" لشعارهم واخفوا الإرهاب خلف سيفين متقاطعين وكتاب الله، أما الخمينية فاختاروا عبارة " وأعدوا لهم من قوة " واخفوا الإرهاب خلف بندقية كلاشنكوف وسنبلتين، لتكون الخمينية والإخوانية إرهاب بوجهين، الأول بفكر سلفي سني تمارسه تنظيمات القاعدة والنصرة وداعش، والآخر بفكر صفوي شيعي يمارسه الحرس الثوري وحزب الله وفيلق بدر وحركة النجباء والعصائب وغيرهم. لنتجاوز السؤال عن غاية قطر من دعم الإخوان من جهة وتنسيقها مع الخمينية من جهة أخرى، كما كشفت تداعيات الأزمة بينها وبين دول المقاطعة، ولندخل في موضوع الإرهاب وتأثيره على الشيعة العرب. 
علميا يعتبر الإرهاب أقصى محفزات الشعور بالخوف، الخوف الذي يشل العقل ويمنعه من القدرة على مواجهة الأحداث الصادمة بوعي ومنطق عقلاني. الخوف من الإرهاب يدفع الإنسان تلقائيا لأختيار المناطق الدفاعية الآمنة للحفاظ على حياته، فإذا كان الشعور الجمعي بالخوف من الإرهاب الشيعي دفع السنة العرب باتجاه الإخوان والتنظيمات الإرهابية، فأنه من جهة أخرى دفع الشيعة باتجاه إيران للدفاع عن أنفسهم من الإرهاب السني. 
في النهاية لا يمكن مواجهة الفكر العقائدي بالحروب وخلق الأزمات، لأن نزعة الإرهاب فيه تتفجر وتنشط في مناطق الفوضى بعد أن تفقد الدولة السيطرة عليها. الإرهاب يواجه بسياسة الحلول والاستقرار ضمن منظومة الدولة وبدعم مؤسساتها الأمنية. ضعف الدولة وفقدانها للسيطرة على الأمن يقلق الناس ويقودهم بالخوف إلى البحث عن مناطق الأمان التي توفرها لهم انتمائاتهم العقائدية لا الوطنية.

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق