آل بْــن مْـتْـعَـالْ/ محمود شباط

 



قال الشاعر:

تَواضَع إذا ما نِـلـتَ في الـنَّـاسِ رِفـعَـةً / فإنَّ رفيعَ القَـوم مَـن يَـتَـواضَـعُ

في بيداء قاحلة ابـْتُـليتْ بالـتَـصحُـرِ البيئي والإجتماعي معاً، عُـزلتها الجُغرافِـيَّـة أسهَمَت في تجاوز قطار التقدم لوضعها البائس، فظلت على حالها البائس. اجتاح ناسَها وَباءٌ سلوكي صامتٌ تَتَداولهُ ألسنُ عامة البدو دونَ الـمُجازفة في المُجاهرةِ، ولا يجرؤ المستضعفون على اختراقِ حواجزهِ خشيةَ العزل والحرم، وربما أسوأ. 

مرضٌ عضال يعتبره مشايخ قبيلة "آل بن مْـتْـعَـال" مَكسباً مشروعاً ثابتاً أبدياً دائماً وموروثاً من فئة تحصيل الحاصل، فأوغلوا في نفق الفوقية الممجوجة عبر انتهاك الـقِـيَـم وبَديهـيَّات آداب التواضع، مُفـتَـرضين فوقيتهم حَـقّـاً إلهياً مقدَّساً كونهم من فئة "السوبر بَـشَـر". 

مقعدُ شيخ القبيلة وأقاربِه وفتيانهم وصيصانهم، وعدد من أثرياء الصدفة والثراء غير المشروع الذين يَـتمَـلَّـقون مشايخ "آل بن متعال" محجوز دائما في وسطِ الصفِّ الأول في المناسبات، من يحضر من فئة "السوبربَـشَـر" متأخراً، حتى ولو كان حدثاً صغيراً، يدخل القاعةَ مُتطاوساً مُصوِّباً ناظريه على الصفِّ الأمامي المكتمل، يبقى يصول ويجول بغضبٍ صامتٍ آملاً أن يُخلي له أحد الحضور مقعده. فإن لم يُوفَّق كون معظم الجالسين في الصف الأمامي من جنسه، أو مُطعَّمين ببعض الشخصيات الأمنية أو التربوية أو ماشابه، يَـتَـقَـبَّـل على مَضَضٍ الجلوسَ على كرسيٍّ تُضاف على عَجَلٍ إلى  يمين الصف أو يساره.  

 ضيفان غريبان رسميَّان هما مدير المدرسة ومسؤول الأمن في بلدةٍ صغيرة مجاورةٍ لمضارب "آل بن متعال" كانا مَدعُـوَّين بمناسبةِ زفافِ ابن شيخ القبيلة، كانا يراقبان باستهجان حفلَ تَزَاحُمِ ولهفة الملهوفين للجلوس في الصفِ الأول، هَمَسَ المديرُ لجليسه المسؤل الأمني:

- قِـيـلَ بأن قيمةَ المقعد من قيمةِ شاغله كما المهرة من قيمة خيالها، ثُـمَّ أردَفَ "مُوشوشاً": أينما وُضِعت الكرسيّ تبقى جماداً لا تقدم ولا تؤخر في قيمة الجالس عليها. 

- رد المسؤولُ الأمني: أصبت سيدي: هنا بالضبط يكمن مربط الفرس، فضيلة التواضع تؤسس للخلق الحميد وتخفيض الجناح ولين الجانب واحترام الآخرين. في هذا السياق قيل بأنه سُـئِـلَ أحدهم:    "أي الرجال أفضل؟" فقال :" مَن تواضعَ عن قدرةٍ وزَهدَ عَـن رغبة" .


CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق