إستِعراضٌ وتحليلٌ لقصة "الظبي المسحور" – للأطفال – للكاتبة " زينا الفاهوم/ الدكتور حاتم جوعيه



مقدمة :      تقعُ هذه القصَّةُ في 24 صفحةٍ من الحجم الكبير( الصفحات في القصة غير مرقمة من قبل المطبعة )، تأليف الكاتبة والشاعرة المبدعة    " زينا الفاهوم " - من مدينةِ الناصرة ، رسومات : " لؤي دوخي" وإصدار :  دار الهدى للطباعة والنشر كريم – كفر قرع .

مدخل :   هذه القصةُ  فانتازيَّةٌ خياليَّة من الدرجةِ الأولى، نَسَجت الكاتبةُ أحداثهَا ومشاهدهَا بشكلٍ سرديٍّ ومباشر ومن دون مقدمات.   وتتحدَّثُ عن إحدى الممالكِ قديما(طبعا القصة أسطورية وغير واقعيّة وتاريخيَّة)، وكان يحكمُ هذه المملكةَ ملكٌ عادلٌ وحكيم، ومملكته واسعة الأطراف وجميلة . وكان هذا الملكُ يعيشُ في قصرهِ مع عائلتهِ المكوَّنة من :  زوجته الوفيَّة وولديهما الصغيرين ( مسعود وهند الهنود)..والحديرُ بالذكر أن هند الهنود اسم لزوجة أحد ملوك كندة وقد سباها أحدُ ملوك الغساسنة في إحدى المعارك، ولقب زوجها الملك الكندي، بعد ذلك، بآكل المرار بسببها وتشبيها له بالجمل الغاضب والهائج بعد أن يأكلَ نبتةَ المرار وتتورَّم منها  شفاههُ وفمه  ).  وهنالك العديدُ من الملكاتٍ وبناتِ الملوك كانت أسماؤُهنَّ هند، مثل:( هند أم عمرو بن المنذر ملك الحيرة.. وهند ابنة الملك النعمان ابن المنذر.. وهند ابنة جبلة بن الأيهم  آخر ملوك الغساسنة في الشام ... وهند أخت إمرئ القيس الكندي) .. وأما هذا الملك الذي في القصةِ فكان حكيما وعادلا - كما ذُِكرَ أعاته - ويحكمُ ويديرُ مملكتَه بالعدل والإنصاف والحكمة، ويُوَفرُ ويحقِّق لجميعِ سكان المملكة كبارا وصغارا الأمنَ والهدوءَ والراحة والسلام والحياة الكريمة الهانئة، فأحبَّهُ جميعُ سكان المملكةِ . وكان الجميعُ مخلصين لهُ، وخاصَّة حاشيته المقربة منه التي حرصَتْ على أمنِهِ وأمنِ عائلتهِ .

       لقد أحبَّ هذا الملكُ زوجتَه وولديه (مسعود وهند الهنود) محبَّةً كبيرةً جدا ، ويُعتبرَان التوأمين لوالديهما، وقد رباهما على الإستقامةِ والطهارةِ  والفضيلة والوفاء .    ومع مرور الزَّمن كبُرَ الطفلان، وكانت هندُ الهنودِ متدفقة أنوثة وجمالا . وكبرَ مسعودٌ أيضا وكانَ أنيقا ووسيما . 

  وكان من عاداتِ وتقاليد العائلةِ المالكةِ أن تخرجَ مثلَ جميع العائلاتِ في نزهةٍ إلى البراري وبساتين الكرز في موسم قطف الكرز من كل عام،  ولمُمارسةِ هوايةِ صيد الطيور والغزلان . وفي هذا الموسم  كانت البراري  والوهاد تمتلئُ بالمُتنزّهين والصيادي.. وصادفَ أنهُ كان من بين المُتنزِّهين  شابٌ وسيمٌ جدا وفي قمَّةِ الاناقةِ  والرجولةِ ، ووقعَ نظرُهُ على هند بنتِ الملك الجميلة التي رمقتهُ بطرفِ عينها ورأتٍ فيه فارسَ أحلامِها .. وتمرُّ الأيامُ وتشاءُ الظروف والأقدارُ أن تلقى زوجةُ الملك الفاضلة نحبَهَا فتفقدُ العائلةُ الوادعةُ الأمَّ الوفيَّة فيغمرُ الحزنُ الشديد قلوب أبناء العائلةِ. وتُخيِّمُ  أجواءُ الأسى والحزنُ على المملكةِ بأسرها، وعلى الملك الطيِّب والحكيم .

    لثد  حزنَ الوَلدان ( هند ومسعود ) حزنا شديدا على والدتيهما، وحزنا أكثرَ لمجيءِ امرأةٍ أخرى حلَّت مكانَ أمَّهمها في القصر .. وكانت الزوجةُ الجديدة لأبيهما الملك، لانَّ والدهما الملك كان بحاجةٍ  لمن يعتني بأسرتهِ وأبنائهِ وبحلُّ مكان الأم ويملأ الفراغ الذي تركتهُ.       ولكن هذه الزوجة الجديدة لم تلتزم بوصية الملك زوجها في صددِ الإهتمامِ والإعتناءِ  بولديهِ ورعايتهما، والرأفة بهما لأنهما كانا اغلى ما لديه في الحياة.      وأما هذه الزوجة فكانت لئيمةً وشريرة وقاسية وحاقدة بطبيعتها  وفطرتها، ولم تحب أبناء الملك .. فتظاهرت أمام زوجها الملكِ بالرأفةِ واللين في التعامل مع  أبنائِهِ، وفي غيابهِ كانت تعاملهما  بكلِّ فضاضةٍ وقسوةٍ.  ولقد صبرَ الولدان ( مسعود وهند ) على هذه المعاملة القاسية إلى أن  كبرا واشتدَّ عودُهُما وأصبحَ  بإمكانهما الإعتمادِ على أنفسِهما وتقرير مصيرِهما .  وعندما جاء وحلَّ موسمُ قطفِ الكرز كما هو في كلِّ سنةٍ  طلبتْ هند من والدهِا الملكِ السَّماحَ  لها بالخروج  إلى البريَّة مع اخيها للنزهةِ ولقطفِ ثمارِ الكرز .. مع أنها كانت حزينة لعدم وجودِ أمِّها معها في هذا الموسم..فأذنَ لها والدُها الملك، وخرجا بدورهما مع بعض افراد الحاشية للصيد وقطف الكرز ...  وكانت هند ترتدي فستانا جميلا جدا وتنتقلُ بين الأشجار بخفَّةٍ ورشاقةٍ تبهرُ الأنظارَ .. وعلى حَدِّ تعبيرِ الكاتبة : ( بخفَّةِ الفراشةِ  نشوى بعبق الزهور ) . وكانت تارةً تقطفُ الكرز، تتذوَّقهُ فتصطبغُ شفتاها  بلونهِ ... وتارةً تضعُ ما تجمعُهُ في سلّةِ القصبِ التي  تحملها بيدها الأخرى حتى تملأها.  وبعد الإنتهاءِ من جمع ثمارِ الكرز وفي طريق عودتها لمحت مجموعةً من كلاب الصيدِ  تحيطُ بشابٍّ وسيم عريض المنكبين مفتول العضلات، وما أن اقتربت منه  حتى تبيَّن لها أنه نقس الشاب الذي كانت قد رأتهُ في مواسم الكرزالسابقة عندما كانت صغيرة.  واقتربَ هذا الشاب منها وألقى السلام عليها وسألها عن سببِ الحزن والإكتئابِ الظاهرِعليها ..فحدثتهُ بدورها عن وفاةِ والدتِها الملكةِ بشكل مفاجئ وعن معاملةِ زوجة أبيها الجديدة السيئة جدا لها ولأخيها مسعود .. فتأثَّر هذا الشاب كثيرا بكلام هند الهنود ورقَّ قلبه لها عندما سمع منها هذا الكلام . وأبدى أعجابَه بها  ووعدها وعاهدهَا على أن لا يتركها وحيدة. وصارحها أيضا عن هويَّتهِ وأنهُ ملكٌ ورثَ العرشَ عن أبيهِ، وأنهُ يبحثُ ويفتّشُ عن فتاة مناسبةٍ لها  للزواج منها.. وأنها بدورها تمتلك كلَّ الصفاتِ والمواصفات التي يريدها ويتمنَّاها ، وهي مبتغاهُ وضالتهُ وحلمهُ المنشود...فأعجَبتْ هند  جدا بكلام  وحديثِ هذا الشاب وتأثّرَت كثيرا به وشعرت كأنها تمتلكُ العالمَ بأسرهِ . فغدت تعدو بين البساتين  وكأنها عصفورةٌ تخلّقُ في الفضاءِ .. وبعد فترةٍ ليست طويلة تقدَّم هذا الشاب ( الملك وابن الملك ) لخطبتِها، وتزوَّجَها واختارَ العيشَ تحت أكنافِ أبيها بعد أن اتحدتْ مملكتهما معا.. وقد رُزقا فيما بعد طفلا جميلا ملأَ حياتَهما ونشرَ البهجةَ والسعادةَ في القصر .

   وحدثَ في أحد الأيام أنّ الملكَ والد هند الهنود قد اصطحبَ زوج ابنتهِ  والبعض من رحالهِ وسافروا في مهمّةٍ خاصَّة خارج المملكة وتركَ أبناءَه وحفيدَهُ الصغيرَ في عهدةِ زوجته ووصايتها .    وقد انتهزت زوجةُ الملك الشريرة فرصة غيابِ زوجها الملك وبدأت تفكر وتخطط لمكيدةٍ محكمةٍ  كي تتخلصَ من أبناءِ الملك والحفيد الصغير وزوجها بعيد عن القصر .

   وقد حلَّ موسمُ  الكرز فدعت أربعةً من أعوانِها وأتباعهِا  وأمرتهُم أن يسبقوا هند إلى البئرِ العميقة، ذات النفق الكبيرالمؤدي إلى البحر والمسكونِ بحوتٍ ضخم وأن يضعوا فوقَ فتحةِ البئرِ بساطا يجلسون على اطرافهِ للتمويهِ، وعندما تصلُ هند إلى البئرِ يكرمونها  بإجلاسها  وسط البساط ..وبعد انقضاء ِالنهار ينهضون معا عن البساط  فتسقط مباشرة هند وطفلُها في البئر ليبتلعَهما الحوت. ففعلَ أعوانُها ورجالها بالضبط ما أمرت به هذه الزوجة الشريرة .   وكانت قربَ البئر عينُ ماءٍ مسحورةٍ وكلُّ من يشربُ منها يتحوَّلُ مباشرةً إلى ظبيٍ..  وقد أرغمَ وأجبرَ أعوانُ الزوجة  الشرِّيرةِ مسعودا على الشربِ من ماءِ العينِ المسحورةِ فتحوَلَ ابنُ الملك مباشرةً إلى ظبيٍ، وبهذه الفعلةِ الشيطانيّة اعتقدَت الزوجةُ الحاقدةُ والشريرة أنها تخلصَّت نهائيًّا من ولدي زوجها وحفيدهِ الصغير...وأنَّ كلَّ ما حدثَ وجرَى سيكون في نظر الجميع  قضاءً وقدرًا ، وهي لا علاقة لها إطلاقا بهذا الامر الرهيب . وقد جهزَّت وأعدَّتْ نفسَها لتقديمِ وإعطاءِ  الأجوبةِ المُقنعةِ على كلَِّ سؤالٍ واستفسار بما حدثَ .

         وعادَ الملكُ بعد سفرِهِ الطويل فرُفعت الاعلامُ  وعمََّت الزينةُ جميعَ البيوت وشوارع المملكة. وجِيءَ بالخرافِ والأغنام لإعدادِ الولائم والطعام ، وكان من بين الخراف الظبي المسحور( مسعود) فاستطاع ان يحلَّ وثاقَهُ وانسَلَّ بهدوءٍ وغفلةٍ من بين القطيع المُعدِّ للذبح وانطلقَ إلى البئر في البريَّة وبدأ يستغيثُ وينادي بصوتٍ مرتفع : ( خيتا يا هند الهنود! سحرُوا أخاكِ مسعود، وسنُّوا السكاكين، وعالوا القدور، خيتَا يا هند الهنود! ))  .. فردَّتْ عليه هند من جوف الحوت الذي ابتلعها هي وطفلها الصغير : ((  خيَّا  يا مسعود ! إبْن الملك على حضني، وشعري مُجَلِّلني ، والحوت بالِعْنِي، وشو طالع بيدي ؟ خيَّا  يا مسعود" ! )) .

          وتكرَّرَتْ نداءات الإستغاثةِ  والنجدة ولكن دونما جدوى . وبعد أن أقيمت الزينات وتحهزوا  للإحتفال في المملكة ذُهلَ الملك لعدم وجودِ ابنهِ وابنتهِ  بين المستقبلين والمهنئين بعودته بعد سفرهِ الطويل، فسألَ عنهما ولكن لم يسمع أيَّ جوابٍ سوى ما حاكتهُ زوجتهُ وأعوانُها من الأكاذيب .. فحزن الملكُ حزنا شديدا لهذا الخطبِ الجليل .. وقد فقدوا كلَّ بارقِ املٍ ورجاءٍ  في العثورعلى الولدين والحفيد . فأعلنوا الحداد في جميع أرجاء المملكةِ .

     وصادفَ بعد أيام أن مرَّ بعضُ الرعاةِ بالقرب من البئر فرأوْا وسمعوا الظبيَ المسحور يتكلمُ بألمٍ وحزن شديدين . وسمعوا أيضا صوتَ هند بنت الملكِ المنبعث من أعماق البئر:( حيَّا يا مسعود! إبنِ الملك على حُضنِي ، بنظراته بيُرْمُقنِي، بزفراته بيحرقنِي، وشُو طالع بإيدي؟ خيَّا يا مسعُود"! )          ) .فذُهِلَ الرعاةُ وأصابَهُم الخوفُ والهلعُ لهذا المشهد الغريب، فأعلموا المسؤولين في المملكة بما رأوا وسمعوا.. ووصلَ الخبرُ سريعا إلى الملكِ  وزوجِ ابنتهِ المكلومين فأسرعا إلى البئر مع مجموعة من الرجال  وسمعا هناك الظبي وهو يستنجدُ  بأختِهِ ويقول : (  " خيتا يا هند الهنود! سحرُوا خيِّكْ مسعود، وسنُّوا السكاكينْ، وَعالوا القدور، خيتا يا هند الهنود".  وهي كانت، بدورِها، نجيبُهُ بصوتٍ منخفضٍ ضعيف وحزين كله مرارةٌ وألم  : " خيَّا يا مسعودْ ! إبنِ الملك على حضني، وشعري مُجَلِّلْنِي، والحوت بالعني، وشو طالع بيدي؟ خَيَّا يا مسعود! ").  فصُعقَ الملكُ ومرافقُوه ومن معه من أفراد الحاشيةِ وبدأوا  يفكرون في حلٍّ لهذه المعضلة والمصيبة الكُبرى وكيف سيُنقذون هند وطفلها الصغير وأخاها مسعود .. واستدعوا جميع السحرة في المملكة ، ولكن لم يستطع احدٌ منهم أن يجدّ حلّا لهذه الطامة الكبرى . فازدادَ وتفاقمَ حزنُ الملك واكتئابهُ واسودَّت الدنيا في عينيهِ ..وبشكلٍ مفاجئٍ  يظهرُ شيخٌ جليلٌ تقيٌّ كان قد سمع بهذه الحكاية الغريبة فأتى من مكان بعيدٍ بطلبُ مقابلة الملكِ العادل ِوالطيب ، ليساعدَهُ في إنقاذ ولديه . وبعد أن أذنُوا له بالدخول إقترحَ عليهم ان يستعينوا برجلٍ تقيٍّ مؤمنٍ لكنه مُقعد لا يقوى على الحراك، وهذا الرجلُ موهوبٌ  وصاحبُ كرامات، ولديه نظرةٌ ثاقبةٌ وبإمكانه أن يحلَّ كلَّ مشكلةٍ صعبة مهما كانت متفاقمة. وعملَ الملكُ بنصيحةِ هذا الشيخ (والغريق يتلق بالقشة كما يُقال )..فأرسل رجاله ليأتوا بالرجل التقيِّ المُقعدِ..وهذا ما حدث . فاقترح عليه هذا الرجلُ بعد أن أتوا به أن يصنعُوا عَصيدةً حادَّةَ الحلاوةِ ثقيلة السمن، وينتظرون عند باب البئر وعندما يشاهدون الحوتَ يرفع رأسه فليلقوا تلك الخلطة في جوفهِ لأن شدَّةَ حلاوةِ الخلطة وثقلَ سمنها  سيعومان في معدتهِ فيقذفها ويقذف معها هندَ الهنود وطفلها الصغير(( وهذا المشهد هنا يذكرنا بقصة النبي يونس.. أو يونان عندما ابتلعه الحوت. وبمشيئة الرب وقدرته جلَّ جلاله خرج سالما من جوفه )) .

  فأمرَ الملكُ بتنفيذ كلِّ ما قاله الرجل، وبعد أن ألقيت الخلطة في فم الحوت  ودخلت إلى جوفهِ فذفَ الحوتُ هندا وطفلها فانتشلهما الجنود وقدموا لهما كلَّ ما يحتاجونه ُمن عناية ورعايةٍ . وأخبرتْ هند أباها بعد نجاتِها بكلِّ ما لاقت هي وطفلها من زوجةِ أبيها، وكيف أنَّ أعوانَ تلك الزوجةِ الشريرةِ والحاقدةِ أجبرُوا أخاها على الشربِ من ماءِ العينِ المسحورة فتحوَلَّ أخوها مسعود إلى ظبيٍ بفعل السحر .  فجُنَّ جنونُ الملك وطردَ زوجتَهُ الشرّيرة وسجنَ جميعَ أعوانِها ومُساعِديها . وبعدَها التأمَ شملُ العائلةِ وعادت الحياةُ على مجراها الطبيعي نوعا ما، وعمَّ الهدوءُ جميع أرجاءِ المملكة، ولكنَّ الظبيَ المسحور ( إبن الملك ) بقي ينظرُ إليهم بحنوٍّ ومَحبَّةٍ وينتظرُ بقلقٍ لحظةَ الفرج المنشود، وأن يُفكَّ السحرُ عنهُ ويرجع إلى وضعهِ الطبيعي، ولكي يكتملَ فرحُ وسعادةُ العائلة .  وتنتهي هنا في ،هذا المشهد المعلق، هذه القصة نهايةً مفتوحةً، ومن قبل أن يُفكَّ السحرُ عن مسعود ابن الملك الذي تحوَّل إلى ظبيٍ ويرجعُ إلى حياتهِ الطبيعيَّة .

تحليلُ القصَّةِ: هذه القصَّةُ فانتازيَّة ( خياليَّة) من الدرجةِ الأولى وتعيدُ إلى أذهاننا وتذكّرُنا بقصِ ألف ليلةٍ وليلة الخياليَّة الجميلة والمُثيرةِ والمُمتعةِ

.. وببعضِ القصصِ العالميَّةِ المُترجمة وخاصة قصص الأطفال، مثل : قصة "سندريلا ".  وهذه القصة كُتبت بأسلوب وطابع سردي، وهنالك بعضُ المشاهد يوجدُ فيها حوارٌ بين أبطالِ وشخصياتِ القصة ( ديالوج) ... مما يُضيفُ جمالا خاصا ورونقا القصة.  والقصةُ من ناحية البناء اللغوي والسبك لغتها  أدبيَّة جميلةٌ مُنمَّقة وَجذلى وقريبة إلى لغة وأسلوب الشعر في بعض الجمل، بيد أنها غير ملتزمة بوزن وقافية (  إلا إذا استثنينا بعض الجمل في الحوار بين ابن الملك المسحور وابنته التي في جوف الحوت حيث كان الحوار باللهجة العاميّة المحكيّة القريبة للغة الفصحى ).. وفي القصَّةِ  الكثير المصطلحات والتعابير والإستعارات البلاغية المستحدثة والمبتكرة، والتشبيهات الجميلة والصور الشعريَّة الساحرة، وخاصة في وصف الطبيعة .  وهذه القصةُ لا تقلَّ مستوى وجمالا وتمّيزا وتألقا فنيًّا وإبداعا عن قصصِ الأطفالِ العالميَّة، لأنها تحوي وتضمُّ كلَّ العناصر والأسس الهامة في نسيج وبناء القصّة الإبداعية المتكاملة للأطفال.. وتستحقُّ ان تُترجمَ على العديدِِ من اللغاتِ العالميَّة .

           والجديرُ بالذكر أنهُ يوجد في هذه القصة بعض الكلمات الفصحى الصعبة التي قد لا يفهمها كلُّ شخص ، ولكن من خلال وجودها وموقعها في الجملة تفهم تلقائيَّا، وحتى الطفلُ الصغير معنى الجملة والكلمة الصعبة التي فيها، مثل : ( أرغم ) .. أي أجبر .  و ( ينصرم ) :  ينتهي وينقضي .   و( المكلومين) : المُجرَّحين  .

     وهذه القصةُ  لها قيمةٌ وأهمية  كبيرةٌ : ترفيهيٌة وفنيةٌَّ وإنسانيةٌ وفكرية وتربويَّة واجتماعية. ونجدُ فيها طابعَ التورية والمعاني والأهداف المبطنة والهامَّة، وخاصة: الجوانب والتطلعات الوطنية والإنسانيَّة  فمثلا : الزوجةُ الجديدةُ الشريرة  ترمزُ وتهدفُ إلى كلِّ جهةٍ مدسوسةٍ وخطيرة ومعادية تحاولُ أن تتسلل بذكاء ودهاء ولُئمٍ وتدخلَ إلى أرضٍ أو دولة ومملكة أخرى مسالمة تعيشُ بأمان وهدوءٍ ووداعةٍ وسلام واستقرار، فتعكر الأجواءَ وتثيرُ وتتنشرُ الفوضى والبلبلةَ والشغَب والمشاكل والقلاقل  والإضطراباتِ في هذه الدولة أو تلك.. وكما يحدثُ هنا بالضبط عندنا في هذا الشرق وفي الدول العربية وللأسف من اضطرابات وقلاقل ومشاكل وفوضى لا توصف ..  فالمرأةُ الشريرة زوجةُ الملك إذا  ترمُز إلى كل مستعمر  وكلّ عدو غاشم  يرسمُ ويحيك الخطط  والمآمرات للنيلِ من الدول الوادعة والمسالمة والفقيرةِ ولكي يزعزع  إستقرارَها  وأمنهَا  ثم يسيطر عليها وعلى اقتصادها ومواردها وخيراتها ويديرها بطرقهِ الشيطانيةِ الخاصة ..

  وهنالك أيضا أهدافٌ وأبعادٌ أخرى في هذه القصَّةِ . والجديرُ بالذكر أن هذه القصة تُعتبرُ طويلة من ناحية المسافة والحجم مقارنة بقصص  الأطفال الأخرى.. ولكنها غير مملَّة، بل على العكس فهي مُمتعة ومسليَّة فيستمعُ إليها الطفل وحتى الكبير في السنِّ بمحبّةٍ وشفٍ  شديدين ..

  ومن أهمِّ أبعادِ وأهدافِ هذه القصة : 

1 – عنصًرُ التشويق والجانب الترفيهي المُسَلّي : - هذه القصَّةُ ممتعة ومسليَّة وترفيهيَّة من الدرجة الأولى، وشائقة جدا لكلِّ قارئٍ ومستمع صغيرا كان او كبيرا . .

2 – العنصر الفانتازي الخيالي : هذا العنصرُ هام جدا في مضمار قصص الأطفال، لأنَّ الطفلَ بطبيعتهِ يُحبُّ قصصَ الخيالِ والمغامرات... والقصَّةُ التي لا يوجدُ فيها فانتازيا للأطفال  تُعتبرُ قصَّةً ناقصةً من ناحية البناء  والتركيب.. وقصة الظبي المسحور في جميع فصولها ومشاهدها  هي خياليَّة ومثيرة وممتعة .

3 - عُنصرُ المفاجأةِ والأشياء والاحداث غير المُتوقعة : ويوجدُ هذا في العديد من الأحداث والمشاهد الدراميَّة في القصَّة . 

4 – المستوى الفني الراقي والمُمَيَّز في القصَّة .

5 – الجانبُ الوطني : ولكنه غير واضح ومباشر في القصَّة، وهو موجود على شكلِ تورية .

6 – الجانبُ الإنساني : إنَّ القصةَ في معظمِ فصولها وصفحاتها مُشعةٌ بالقيم الإنسانيَّة، وتعكس بوضوخ هذا الجانب والمجال.

7– الطابعُ التعليمي والتثقيفي : وأقصدُ وأعني الاخلاق والمبادئ والقيم   والتعاليم السلوكيّة والأخلاقيّة والإجتماعيَّة.. فهذه القصَّةُ  تُعلّمُ الطفلَ التمسُّكَ والتحلي بالفضيلةِ والأخلاق والقيم والمبادئ، وأن ينبذ ويرفضَ الشرَّ والعنفَ والحقدَ والضغينة  تجاهَ الآخرين ، وأن يكون عنصرًا هامًّا وإيجابيًّا في مجتمعهِ .  والقصّةُ تهدفُ وتدعو إلى المحبةِ والخير والسلام .. ومن خلال كل مشهد فيها تريد ان تقول للجميع : إنَّ الخير سينتصر على الشر وستسودُ أجواء المحبة  والسلام والوئام رغم كيد الأشرار المغرضين الحاقدين . وإنَّ الشرَّ والظلمَ لمرتعهُ لوَخيم .

وأخيرا : هذه القصَّةُ على مستوى عالٍ وراقٍ في كلِّ المقاييس والمفاهيم الأدبيّة والنقديّة والذوقيّة.. وتستحقُّ أن تُترجمَ إلى لغاتٍ عالمية عديدة، وأن يُكتبَ عنها الكثيرُ من المقالاتِ والدراساتِ القيِّمةِ من قبلِ نُقَّاد وأدباءٍ كبار وقديرين ومتخصِّصين ونزيهين وموضوعيين من خارج البلاد ( من الدول العربية  والأجنبية )، وليس من قبل نُوَيقِدين  مُسْتَكتبن ومأجورين محليين عليهم مليون علامة سؤال في صددِ نقائهم الوطني والإنساني وفي مستواهم الثقافي والأدبي وقدراتهم الكتابية، وهم بعيدون كلَّ البُعدِ عن النقد الأدبي الحقيقي والموضوعي الهادف والراقي . (( لا يوجدُ عندنا نقادٌ على الصعيد المحلي صادقون ونزيهون وَمُتمَكّنون من أدواتهِم النقديةِ والكتابيةِ سوى إثنين أو ثلاثة فقط  وللأسف ) . ويجب أن يكون هذا الكتابُ النفيس والقيّم (الظبي المسحور) موجودا في كلِّ مكتبةٍ وبيت .

   وفي النهايةِ أهَنِّئُ الزميلةَ الكاتبةَ والشاعرةَ القديرة والمبدعةَ والمتألقة دائما " زينا الفاهوم" على هذا الإصدار القيم والراقي...ونتمنَّى لها جميعا  العُمرَ المديدَ والمزيدَ من الإصداراتِ الأدبيةِ الإبداعيَةِ الراقيّة .

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق