كان التحدي الأول الذى جابهته ألمانيا المدمرة والمحتلة بعد الحرب هو نقص الرجال (عدد سكان ألمانيا بعد الحرب 27 مليون.. 20 مليون منهم نساء).. و ينظر الألمان بفخر كبير للدور الذى اضطلعت به المرأة الألمانية في هذه الفترة الصعبة التي برزت فيها ظاهرة “ نساء الأنقاض”.. فقد وجدت النساء الألمانيات أنفسهن مع أطفالهن بلا مأوى و لا مأكل و لا مشرب.. لكنهن شمرن عن سواعدهن وكانت مهمتهن الأولى هي استخراج الحجارة السليمة من بين الأنقاض لإعادة استخدامها مرة أخرى في البناء.. و إخلاء الأبنية و الشوارع من الأنقاض و نقلها إلى خارج المدن.. و كذلك العمل في المصانع التي لم تضرر من القصف.. و عاش الألمان ثلاث سنوات بعد الحرب في ظروف تشبه المجاعة مع تقنين الغذاء و انعدام الرعاية الطبية بعد حل الصليب الأحمر الألماني و نقص المحروقات للتدفئة في الشتاء القارس.. فتضاعفت معدلات الوفيات عما كانت عليه اثناء الحرب نفسها!! رغم ذلك تضافرت جهود النساء مع اللاجئين الوافدين من عدة بلدان في أوروبا الشرقية و تركيا لإزالة آثار الدمار و إعادة بناء ما يمكن بناؤه..
بسبب الحرب ومنذ الأحداث الأخيرة التي شهدتها اليمن ابتداء من يوم 26 مارس 2015 وحتى اللحظة والجحيم يلازم حياة اليمنيين، وحسب المؤشرات فإنه أهم صراع ومعركة دخلتها اليمن في تاريخها الحديث لا شيء يشبهه إلا حالة ألمانيا التي سطرنا بها هذه المقالة..
ماحدث وكأي حرب كشف معادن شخصيات لطالما راهن عليها اليمنيون وأفرز ضمن ما تفرزه الحروب عن نساء يحتاج المجتمع اليمني إلى سنوات كثيرة للقبول بدورهن إنطلاقاً من تركيبة بنيويته القبلية اللامتغيرة النظرة إلى المرأة والقليل لا يُقاس عليه..
من أولئك النسوة اللائي ظهرن ويشبهن أسطورة " نساء الأنقاض " في ألمانيا الدكتورة " أنجيلا أبو أصبع"..
أكاديمية وقتها محسوب بالدقيقة ومن المحال أن تتخلف عن محاضرة واحدة تقدمها لطلابها عدا نشاطها الآخر في عقد دورات تأهيلية للطلاب ونشاطها الحقوقي.. بدأت قصتها مع العمل الإنساني الذي يجسد جوهر المرأة اليمنية الأصيلة متزامناً مع المأساة الإنسانية التي وصلت إليها اليمن بعد تفجر الحرب وما تبع ذلك من دمار للبنية التحتية وانعدام المشتقات النفطية والمواد الغذائية وجوع كافر فتك بالناس، فأسست منظمة إغاثة هي ومجموعة من الاكاديميات في جامعة صنعاء سمينها " معاً لنحيا" وكان التمويل الأول للمنظمة من رواتبهن ومقتنياتهن وبادرن بقيادة أنجيلا ونفذن أكثر من حملة إغاثة إلى مناطق متفرقة من العاصمة والمحافظات الأخرى ثم استمرت الحملات وما زالت وحصلت المنظمة على تبرعات من شخصيات وجهات اطلعت على ما تقوم به المنظمة من أعمال إنسانية صرفة وحقيقية في سبيل إنقاذ الناس المنكوبين والذين لم يكن بينهم وبين انتهاء حياتهم القصيرة سوى مسألة وقتية قابلة للتسوية لتحدث في ليلة وضحاها وبين غمضة عين وانتباهتها...
"لنحيا معاً " يمكن أن أصف الفرق بينها وبين المنظمات الأخرى بالفرق بين بريد الفيدكس والبريد العادي فهي تشبه الفيدكس في أنه يصل من المرسل إلى المرسل إليه في غضون ساعات أو يوم على الأكثر والبريد العادي يستغرق أحياناً شهوراً إن لم يضع أو يُسرق في الطريق وأثناء الشحن.. فقط أصفها هكذا لأن القائمين عليها يقدرون الحياة ويحترمون الإنسان وقد أكون ظللت الطريق حتى في هذا الوصف أي أن هذه المنظمة أكبر من أن تكون بريداً كالفيدكس أو غيره ولكن يشفع لي أنه توصيف مجازي فقط يظهر السرعة التي تعبر عن قداسة حياة الناس..
هذه المرأة تمثل المعجزة اليمنية التي تسعى إلى انقاذ اليمن مما تسبب فيه السياسيون من خراب وسوف يتجذر هذا في جيل كامل من النساء المعاصرات واللاحقات تماماً كما حصل في ألمانيا التي قدمت نموذجاً حقيقياً للتحول الذي حصل لهذه الدولة منذ عصر نساء الانقاض وانهيار النازية وحتى اللحظة..
أثق في أن المسألة مسألة وقت لا أكثر ليتحقق الحلم ويعود الزمن المضيء البعيد أو الأبعد الذي مارست فيه المرأة دورها في تسيير شؤون الدولة والمجتمع، فكانت دائماً دال محبة وأمن وسلام ثم جاء الرجل ليحكم فشوه معالمها وكان دائماً دال حرب ودمار واتسعت لديه شهوة الاقصاء والسيطرة.. المرأة بالتأكيد أكثر إنجازاً وسلاماً من الرجل ولا شواهد حقيقية فاعلة في هذا كالشواهد التي يقدمها لنا التاريخ اليمني..
0 comments:
إرسال تعليق