ليس لأنكِ لا تستحقّين ذلك. وليس لأنني تخلَّيت عن قناعاتي. وليس لأن قضيتكِ فقدت عدالتها. وليس لأن شعبكِ لا يستحق الوقوف معه من قبل كل أحرار العالم. فشعبك هو الوحيد في عصرنا الحديث، بين شعوب العالم، الأكثر معاناة، ألأكثر تضحية، الأكثر استعداداً لتقديم الشهداء والأكثر اقتناعاً بقضيته، والذي يجابه أشرس وأبشع قوة احتلال واقتلاع في العالم، مدعومة بقوى المال والاعلام والكذب والتلفيق والغطرسة وما يسمى بالقوى العظمى.
ضدَّ مَن أتظاهر؟ ضدَّ أميركا؟
أميركا، وقبلها فرنسا وبريطانيا ومعظم الدول الكبرى، لا يهمها إلا ما تعتبره مصلحتها. فالصوت الصهيوني المؤثِّر هو المقرِّر في النهاية. فلا العدل ولا الحق لهما نصيب في التأثير على القوى العالمية. تتذكرون حرب العراق؟ فالملايين التي نزلت الى الشوارع لم تمنع جورج بوش من تدمير العراق بعد أن جرَّ وراءه طوني بلير وجون هوارد وتحالف دولي، ضمَّ معظم حكّام الدول العربية، ضرب كل مواثيق الامم المتحدة عرض الحائط. ورغم كل الدمار الذي لحق بالعراق، ومن بعده بمعظم الدول العربية ولا زال، لم نجد محكمة كَمحكمة "نورنبرغ" تتجرّأ وتحاكم أياً من مجرمي الحرب الجدد.
أم ضدّ اسرائيل؟ ومتى كانت اسرائيل تحترم الرأي العام وتحترم المتظاهرين؟ أتتذكرون الشابة الامريكية راشيل كوري، التي مشت جرَّافة اسرائيلية على جسدها، عندما حاولت منعها من هدم بيت فلسطيني في غزّة؟ أتتذكرون الوف الضحايا الفلسطينيين في شوارع القدس وكل الشوارع الفلسطينية؟ اسرائيل المبنيّة على الاغتصاب بالقوَّة لا ترتدع بالمظاهرات.
أنا اريد فعلاً أن أتظاهر ولكن ليس ضدَّ أميركا وضدّ اسرائيل. فهما يفعلان مصلحتهما عن قناعة. اريد أن أتظاهر ضدّ من يمنعني، ويمنع الملايين العربية، من امتلاك المعرفة والحريّة وبالتالي القوة لنستطيع الوقوف في وجه أميركا واسرائيل. اريد أن أتظاهر ضد من يسرق مواردنا ويقدّمها رشاوى للقوى الفاعلة ليبقى متحكماً بمصائرنا. أريد ان أتظاهر ضدّ النظام القمعي العربي الذي يسجن وينفي ويغتال أحرار بلادي. فمجتمع راكع لا يستطيع أبداً أن يحرر. اريد ان أتظاهر ضدّ مثقفي السلطة الذين يزيّفون الاتجهات. اريد التظاهرضدّ مشايخ المسلمين الذين يفتون في كل اتجاه إلا اتجاه فلسطين. اريد ان أتظاهر ضد رجال الدين المسيحي الذين أصبحت "مملكتهم في هذا العالم". اريد أن أتظاهر ضدّ أنظمة تعليم بالية. ضدّ الفساد والسرقة ونهب المال العام. باختصار اريد أن أتظاهر ضد كل الانظمة العربية من المحيط الى الخليج لا أستثني منها أحدا. فالمجتمع العربي مجتمع محتل بشكل أو بآخر. مجتمع الفقر والقمع والعبودية والجهل والفساد والخرافات لا يصلح أبداً ليحمي ظهري في أية معركة مصيرية. ومعركتنا مع اميركا، وبالتالي اسرائيل، معركة مصيرية بامتياز.
اريد أن أتظاهر ضدّ محمود عبّاس. فمع احترامي لأبي مازن ولتاريخه النضالي، فلقد انتهى دوره. ابتدأ دور عبّاس التفاوضي مع اسرائيل، قبل أوسلو، واستمرّ وترسّخ بعدها. لم أكن مرة من المغرمين باوسلو. ورغم كل اعتراضات المعترضين المشروعة حول اتفاقية السلام مع اسرائيل، فأكثر من ربع قرن أكثر من كافية لتثبت أن اسرائيل تعرف سلاماً واحداً هو الاستسلام. قائد مرحلة السلام والمفاوضات الزيزفونية لا يمكن ان يكون قائد المرحلة الجديدة التي تقتضي سياسات والتزامات مناقضة تماماً لالتزامات المرحلة الماضية خاصة إذا أصبح على أعتاب الثالثة والثمانين، أطال الله بعمره.
وتحصيل حاصل أن أتظاهر ضدّ حماس. فليس بالحركات الاصولية تتحرر فلسطين. فكل الاصوليين والسلفيين، من محمد بن عبد الوهاب وأتباعه، الى حسن البنّا واخوانه المسلمين، الى القاعدة والنصرة وداعش، الى مجاهدي النكاح وأصحاب فتاوى التكفير، هؤلاء اهتماماتهم ليست في فلسطين. فهؤلاء يريدونكم أن تصلّوا وتصوموا وتتحجَّبوا وتشكروا الرب على نعمه!
الشعب الفلسطيني المقاوم متقدم، بأميال، على قياداته التي تغنّي كل واحدة منها في واد. ومع هذا الشعب الحر سأقف دائماً. وسيقف معه كل أحرار العالم. وليتمكن هذا الشعب من الوصول الى مبتغاه، ولنصل معه الى مجتمعات الحرية والعدالة الاجتماعية وحقوق الانسان، يجب أن نغيِّر الكثير من قناعاتنا واساليبنا في العمل.
سدني في 11/12/2017
0 comments:
إرسال تعليق