جيل الاستنارة وجيل الحجارة/ أنطوني ولسن

عندما أعود إلى الوراء بذاكرتي إلى جيلي، والجيل الذي سبقني، والجيل الذي جاء بعدي، أتيقن أن الماضي الجميل لا يأتي بمستقبل جميل ان لم يكن الحاضر جميلاً!
لقد كانت هذه الأجيال السالفة، تتمتع بنمو الضوء والأمل والحب والعمل في كيانها، وفي مسيرتها نحو الهدف الحقيقي من الحياة!
هل هي الأرض الرحبة المليئة بالخير، والتعداد السكاني الأقل، جعل الأجيال المتعاقبة في بؤرة العناية والاهتمام، حتى أنه في ظل وزارة المعارف، كانت الشهادة الابتدائية في عهدها ذات قامة دونها الشهادات الجامعية اليوم؟!..
هل هو الحب للوطن، والنقمة على المحتل؛ الذي أفرز لنا أجيالاً تؤمن بالعروة الوثقى، وبالتحرر، وبالمستقبل إلى المدى؟!..
هل هي المثل العليا، والاخلاق الرفيعة، التي كانت تُؤخذ من مصدرها الأول الذي هو الله، وليس عن اشخاص يتاجرون بالدين، ويشقون العالم به إلى شقين؟!..
لا شك أن انفصام جيل اليوم عن الماضي الجميل، واتجاهه الصادم نحو الأسوأ، والظلامية، والتبدد.. نتيجة حتمية للسقوط المدوّي لحاضرنا في جحيم الاستغلال، والفقر، واللامبالاة، والصمت، والأخطر: الانجازات المروعة في عالم الابادة الجماعية!
من يلوم صغارنا وهم يتمردون على والديهم، ومربيهم، ومدرسيهم؟!..
من يلوم شبابنا، وهم يبيعون أنفسهم كرقيق في سوق الدعارة، وينزلقون في الاحتيال والنصب والسرقة؛ حتى يتمكنوا من شراء نشوة الكوكايين، التي تأخذهم بعيداً عن كابوسهم اليومي إلى وهم حلم جميل من صنعهم؟!..
من يلوم ذلك الذي يلف احزمة الموت على وسطه، ويفجر نفسه كأنه جيش بأكمله؛ ليصل إلى جنته الموعودة الملأى بالحوريات، والغلمان المخلدون؟!..
من يلوم جيل بلا أمل وبلا مستقبل، ينتظر في أي لحظة أن يطلق حاكم أحمق الميكروبات، والغازات السامة على كافة الشعوب، أو يضغط على زر نهاية العالم في جحيم من القنابل الذرية والهيدروجينية، حتى أن عالماً مثل ألبرت اينشتين، قال ساخراً: "أنا لا أعرف ما الذي سيستخدم في الحرب العالمية الثالثة من اسلحة، ولكن استطيع أن اتنبأ بما سيستخدمونه في الحرب العالمية الرابعة : الحجارة"؟!..
معذرة أينشتين.. لن تكون هناك حرباً عالمية رابعة، تعود بنا إلى العصر الحجري؛ فقد أبتكرنا عصراً حجرياً حديثاً؛ فهناك أطفال الحجارة في فلسطين، وفي كل حاضرنا الذي نعانيه: تحجّر قلبنا، وضميرنا، ومشاعرنا!...   

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق