1 - المدخل :
1 - كاتب لبناني من ( جبل عامل !!) يستكثر عليّ مختاراتي عن أشهر شعراء النجف الأشرف ، ويقول لماذا لم تذكر مظفر النواب ، والقدس وفلسطين ...؟!! كانما النجف الأشرف ليست بمدينة عربية عريقة ، والعراق من جزر الواق واق ...وأنا من المريخ... !!
عجبي هل فلسطينة الحبيبة والقدس الشريف ملك أحد أم ملك الأمة ؟ ومن يزايد على مَن ...؟!!
2 - مظفر النواب مجّدته بكتابي (للعبقرية أسرارها...) مع أشهر عباقرة العالم والعرب ، وشعري ونثري عنه أكثر بكثير من معظم من مررت بهم مرور الكرام في ممختاراتي عن أشهر شعراء النجف الأشرف ، إذا استثنيت مقالاتي المطولة عن الجواهري والشبيبي الكبير واليعقوبي والحلي والصافي. فهؤلاء شعراء عموديون ، وأنا أميل للشعر العمودي حفاظاً على تراث الأمة لعراقتي وعراقيتي...!!
3 - وأشرت إليه في قصيدتي :
نعيماً أيّــــها العـــــربُ *** وكــــلُّ ترابكم ذهبُ
بقولي :
ونصقلُ صوتَ(قائلنا)**عروسُ العربِ تـُغتصبُ
فلا(القدسُ)الشريفُ لكم**وفي(أوراسكمْ)صخبُ
لقد هُــــــزّتْ مرابعكمْ *** وما اهتزّتُ لكم رقبُ
ومَنْ أعذارهُ ســـببٌ*** فهلْ لشــــهامةٍ سببُ ؟!
وضمنت بعض مقاطع أخرى من قصائده بقصائدي . وأشرت إليه في مقالاتي ، وأحياناً بعناوين عريضة .
4 - لم يبقَ قطر عربي لم أنظم عنه أروع القصائد وخصوصاً فلسطين الحبيبة ، وعن لبنان نظمت عدّة قصائد ، ومنها قصيدةٍ مطلعها :
لبنانُ يا نبعً الأشـاوس ِوالنفوسَ الثائــرة ْ
لملمْ جراحكَ وانتفضْ نحو الحياةِ الظافرة ْ
صبراً على البلوى فكمْ ليل ٍ يفلـّقُ باكــرهْ
5 - مرور العرب بنكبات ونكسات لا تجعلنا ننحب ونلطم ونجر الذيول والقيل والقال فقط ، لكل مقام مقال ، فالأمم لا تموت ، وباب الأمل مفتوحة ، واللغة والأدب و التراث الإنساني من أهم ركائزها واستمرارية تواصلها بقوة وإصرار وتحدٍّ...!!
6 - جزماً لو كتب مظفر تلك القصائد وبإلقائه المميز حينذاك هذه الأيام ، لما وجد إلا أذناً صماء ، فالأيام الأخرى تستوجب صفات أخرى ، والدنيا دول !
2 - المقدمة :
يقول الوجودي - وهكذا وسمته - طرفة بن العبد :
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً****ويأتيك بالأخبار من لم تزود
لو كان هذا السكير المسكين بقربي يوم القيامة - وما أنا بالسكير !!- لهمست بإذنه : بروح أبيك غيّر العجز بالشكل الآتي ، وخلصنا :وتأتيك بالأخبار ما لم تزود
لأن كثيراً من المرات ترميني الصدفة وحدها بالأخبار ما لم أزودِ ، لك أن تقول باللذيذة الطيبة ، ولك أن تقول بالخبيثة المؤلمة ، فالحال من بعضه ، والأيام تدور ، والإنسان مقبور ، والدنيا دول.
ومن هذه الصدف ، دخلت على موقع ( الديار ) اللندنية لأبحث ما نشرته من مقالات في صحيفتهم الموقرة ، وإذا بي أجد اسمي مقروناً
. "ترَنّمْ من لغةِ الأحزان" \ إبراهيم يوسف
(القسم الثقافـــي/مقالات)
" ترَنّمْ من لغةِ الأحزان" إبراهيم يوسف
إلى الأستاذ كريم مرزة الأسدي تعقيبا على المختارات الشعرية لأشهر شعراء النجف "
سبق قد وقع نظري على هذا العنوان ( ترَنّمْ من لغةِ الأحزان ) إبراهيم يوسف ، ولكن لم يرد اسمي ، بل موجود في الحقل المخصص لمقالاتي في ( دنيا الوطن ودنيا الرأي ) ، بل المقالة الأولى ، وأعتبرت أن الأمر قد وقع سهواً ، مهما يكن من الممكن قراءة مقالة الأستاذ إبراهيم يوسف ، إذ تلي ما يلي :
3 - بادئ ذي بدى أشكر جزيل الشكر الصديق والزميل والأخ الأستاذ يوسف المحترم على مقالته الرائعة ، وحرصه ومحبته لشاعرنا العبقري مظفر النواب ، ولاريب هو من أشهر شعراء العرب ، لأنه هجّاء ساخر ، مناضل وطني وعروبي غيور ، وظاهرة صوتية مميزة ، تلاقف العرب مسجلاته الصوتية من البحر إلى البحر ، وهو من مواليد 1934 م ، يكبرني كثيراً ، ونشأ وترعرع في فترات زمنية وظروف ، ساعدته على الشهرة ولهذا أيضا اشتهر دعبل الخزاعي وأبو نؤاس في العصر العباسي الأول أكثر من كل معاصريهما ، وقد عاصرهما عمالقة الشعر والأدب العربي على امتداد التاريخ ،الأول لهجائه الساخر المقذع المرير لخلفاء عصره العمالقة كالرشيد والمأمون والمعتصم والواثق والمتوكل ، ووزرائهم وقادتهم وولاتهم وقضاة قضاتهم حتى حمل خشبته على كتفه ، ولم يجد من يصلبه عليها أحدا ، وبعد وفاته أهمل ، وأحرقت دواوينه الضخمة ومؤلفاته ، وتكالب المؤرخون على تسقيطه عبر العصور ، إرضاء للخلفاء والأعيان ، وما قدروا إلا ما كان ، وكان ..!! ، والثاني أبو نؤاس اشتهر لمجونه وتهتكه وعبثه وخمرته وجرأته وغلمانه ، وأعزّ شيءٍ لدى الإنسان ما منعا ...!!!
4 - لماذا أشهر شعراء النجف ؟!!
أولاً لا يحق لأحد أن يسأل الكاتب أوالباحث أو الشاعر ، لماذا تناولت هذا الموضوع؟!! ولماذا اخترت هؤلاء دون هؤلاء ؟!! فالإنسان المبدع حرٌّ ، والحرية الركن الأساسي في الإبداع والإلهام العالمي الإنساني ، ولكن مع ذلك يجب التوضيح لتلاقح الرؤى والأفكار والنوايا الطيبة ...
أشكرك جداً على اعترافك أنك لم تقرأ لي إلا هذه المختارات ، ومن موقع ( الفكر) الرائع ، وأنا كما ذكرتُ شاهدت المقالة في مواقع الديار ودنيا الرأي والوطن قبله ، ومن بعد دخلت موقع الفكر ، فوجدت مقالتك بطيبها وحرصها وتواضعها ، وحاولت الدخول على اسمك الكريم لأتعرف عليك ، وإذا باللاعب المصري المرحوم - كما ذكر ، لم أسمع به أيضاً - إبراهيم يوسف قد شغل كل المساحات ، ومن بعد آخر ، وجدت مقالة لك تذكر فيها أنك من جبل عامل ، فتشرفت بك شخصاً ومكاناً عربياً عريقاً:
أ - أنا رجل من أعرق بيوتات النجف الأشرف ، وأفتخر بذلك ، وما وجدت كاتباً وباحثاً وشاعراً لم يتغنَّ بمدينته وأهله ووطنه ( أصل الوطن المسكن ) ، ومن لم يعشق مدينته ووطنه ، لا يمكن له حب مدن الآخرين ، وأقطار العالمين ، وأنا أعشق لغتي وتراث أمتي ، وأسهر الليالي ، وأضحي براحتي وكياني ، وأتعلق بعروبتي وأرومتي ، لأنها لغة أبائي وأجدادي وأبناء جلدتي ، لولاها ما هذا ...!! يقول أبو تمام :
نقل فؤادك حيث شئت من الهـوى ****ما الحـب إلا لـلـحـبـيـب الأولِ
كم منزل في الأرض يألفهُ الفتــــى **** و حنينه ابـــــدا لأول منزلِ
ويقول ابن الرومي عن مسكنه الأول حيث الصبا والفتوة وشرخ الشباب :
ولــــي وطــــنٌ آلــيـــت ألا أبـيــعَــهُ ****وألاّ أرى غيـري لــه الـدهـرَ مالـكـا
عهْـدتُ بـه شــرخَ الشـبـابِ ونعـمـةً ****كنعمـةِ قــومٍ أصبـحـوا فــي ظِلالـكـا
فـقــد ألـفَـتْـهُ الـنـفـسُ حـتَّــى كـأنــه ****لهـا جسـدٌ إن بـانَ غــودِرْتُ هالـكـا
وحـبَّــب أوطـــانَ الــرجــالِ إلـيـهــمُ ***مـــآربُ قـضَّـاهـا الـشـبــابُ هنـالـكـا
إذا ذكــــروا أوطـانَـهُــم ذكَّـرتـهـمُـو***عُـهـودَ الصـبـا فيـهـــا فحـنّـوا لذلـكـا
ويقول مظفرك مظفرنا ..!!:
ألقيت مفاتيحي في دجلة
أيام الوجد وما عاد هنالك
في الغربة مفتاح يفتحني
ها أنذا أتكلم من قفلي
من أقفل بالوجد وضاع على أرصفة الشام سيفهمني
أصرخ أين شهامتكم ان كنتم عرباً.. بشراً.. حيوانات
فالذئبة حتى الذئبة تحرس نطفتها
والكلبة تحرس نطفتها
والنملة تعتز بثقب الأرض
أما انتم فالقدس عروس عروبتكم .. أهلاً.....
هذه سنّة الدنيا ، ومن قبل سنّة الله ، ولن تجد لسنة الله تبديلا ، ومع ذلك أروع قصيدة رثاء في حق شهيد عربي نظمتها في حق شهيد عربي فلسطيني ، ولعلها من روائع قصائد الرثاء العربي ، لأن فلسطين كما تعلم ويعلمون ، وإن جهل بعضهم وصغرَ ، لها معزّة خاصة ، وموقع أثير لولا عصرنا ، كما تعرفه ، وأعرفه ، قد لعب فيه اللاعبون الخبثاء !! . ، مطلعها يقول :
لا يَعشقُ اللهَ إلا الحـرَ ُوالشـّهدا ** لولا اللحودُ وخوفُ الموتِ ما عُبدا
لـولا اليقينُ بأنَّ الحتــفَ يُعجلنـا **ما بينَ غمـضةِ عين ٍما ورعتَ غدا
سبحانَ مَـــنْ أودعَ الأيّامَ حكمتهُ **مِنْ بيـنَ أسلافنا جـرّ الردى عــددا
سبحانَ مـنْ أفلقَ الضّدين منْ عدم ٍ**وألهـمَ النفـسَ ناجتْ واحداً أحدا
ب - الحيرة والكوفة والنجف وما تعلمون ......!!
قبل الدخول للموضوع ، أودّ أن أزيدكم علماً ، لقد ألفت كتاباً عن ( تاريخ الحيرة .. الكوفة .. الأطوار المبكرة للنجف الأشرف ) ... مطبعة الفرقان 2007م - حي عدن - النجف ، وأعيد طبعه 2015 م .
الحيرة والكوفة والنجف تفع على رؤوس مثلث أضلاعه لا تزيد عن عشرة أميال ، الآن توحدت في مدينة واحدة كبيرة ، الحيرة مدبنة النابغة الذبياني وأعشى قيس ، وفبها تحاكما الشاعران الشهيران عمرو بن كلثوم والحارث بن حلزة اليشكري عند الملك عمرو بن هند ، ومنها الشاعر الأموي الشهير الأخطل ، ومن الكوفة الكميت الأسدي ودعبل الخزاعي وصريع الغواني وأبي العتاهية ( نشأ) وأبي دلامة ، وأبي الشيص ، ناهيك عن مدارسها الكوفية الفقهية واللغوية والنحوية ... وولد فيها الرمز الأول في الشعر العربي المتنبي العظيم ... وفي عصرنا الحاضر أنجبت عمالقة الشعر العربي كما قرأتم في مختاراتي النجفية .
ج - من ذكرتهم في مختاراتي الشعرية لا يقلون عظمة في الشعر من مظفرنا الكبير ، كلهم عمالقة وكبار من السيد الحبوبي حتى الجواهري ومن بينهما كالصافي والشرقي والحلي والشبيبي وبحر العلوم واليعقوبي والحصيري ...
د - أخترت فقط من ولد في النجف أو نشأ فيها ، والنجف الأشرف حاضرة شعرية عربية كبرى ، تكاد تكون الأولى في الوطن العربي ...ومظفر النواب مواليد الكاظمية من مناطق بغداد الكبرى ، وتناولته في مقالات ومختارات أكثر بكثير من بعض من تناولت مختاراته.
هـ - وجهدت نفسي ببحوث ومقالات مطولة عن معظم شعراء العربية من العصر الجاهلي حتى عصرنا الحديث كالشنفرى بلاميته وأخلاقياته والنابغة باستقراطيته ، وطرفة بوجوديته وعمرو بن كلثوم بحماسته وكعب ببردته والفرزدق بولائه وجرير بهجائه ورثائه ونقائضه ، وبشار بن برد بتجديده وروائعه وأبي الشمقمق بسحابه وبيته وكديته ومسلم بن الوليد ببديعه ولطفه ودعبل الخزاعي بسخره وهجائه وأبي نؤاس ببصرته وبغداده ومصره وابن الرومي بوطنه ورثاء بصرته ووووو المتنبي بعظمته وتغربه وغربته والمعري برحلته وسجونه الثلاثة وووووو حتى عصرنا الحاضر السياب بحلقات خمس والرصافي بحلقات ثلاث والبياتي بمثلها وشوقي بأربع والدكاترة مبارك بنقده وجرأته وشعره ،ووووو راجع الأجزاء الثلاثة لكتابي ( شعر وشعراء ...دراسات أدبية وقراءات نقدية ) شعراء جاهليون وإسلاميون ، شعراء عباسيون ، شعراء معاصرون ...طبعت بعمان - دار فضاءات - 2015 م .
5 - والنواب مجّدته بشعري ونثري حسب قدرتي ، ولم أبخسه حقاً....!!
والله يا صاحبي ، لا أدري كيف حكمت عليّ ، وتقول لا أعرفك إلا من مختاراتك لأشهر شعراء النجف ؟!!
وأنا أتردد في الكتابة عن أصدقاء لي خبرتهم سنوات ، كي لا أظلم جهودهم ونتاجاتهم ، ثم لو جهدت نفسك قليلاً ودخلت على اسمي بشتى نعوته على الشبكة العنكبوتية قبل الكتابة ، وطلبت المزيد لانفتحت أمامك عشرات الصفحات ، كل صفحة تحمل أكثر من عشرة مواقع ، لا يهم أنا سعيد بهذه الكتابة ، فيها توضيح وإثراء :
في كتابي ( للعبقرية أسرارها ...تشكّلها ... خصائصها ...درسة نقدية مقارنة ) المطبوع بدمشق سنة 1996م في ( دار فجر العروبة للطباعة والنشر والتوزيع) ، والمعاد طبعه بعمان سنة 2015م في (دار فضاءات للطباعة والنشر والتوزيع ، كان للشاعر العربي العراقي الكبير مظفر النواب حضور كبير مع عمالقة عباقرة العالم والعرب ، لأنه فرض نفسه بقوة كبيرة ، وشهرة عظيمة ، والشهرة إحدى أركان العبقرية الفذة ، وبالتحديد في الفصل السادس (الاغتراب النفسي لدى العباقرة ) ، ففي الصفحة 110 ط 1 أقول فيما قلت :
" المعاناة امتلاء النفس بما يتفاعل فيها من أحداث الحياة وملابساتها ومفارقاتها ، ، والشعر تنفيس لهذه المعاناة ، ومفتاح التعبير عن آمال الجماهير ، وترجمان أحاسيسها و أهدافها ، ومن هنا أيضاً تأتي غربة الشاعر مظفر النواب ، فكان من أكثر الشعراء رفضاً للواقع المرير بكلّ أبعاده ، وإنّ إغترابه النفسي موضوعي بتداخلات ذاتية هامشية ، وربما تنتفي الذات عنده في كثير من الأحيان ، فخلق من جبلة الرفض والتمرد ، ولا يدري أين يحط ؟!! ويرى الساحات أمامه حالكة معتمة في زمن الشرذمة والتجزئة ، فمن قصيدته ( ثلاث أمنيات على بوابة السنة الجديدة) يقول :
مرة أخرى على شباكنا تبكي
ولا شئ سوى الريح
وحبات من الثلج على القلب
وحزن مثل أسواق العراق
مرة أخرى أمد القلب بالقرب من نهر الزقاق
مرة أخرى أحني نصف أقدام الكوابيس بقلبي
أضيء الشمع وحدي وأوافيهم على بعد
وما عدّنا رفاق
لم يعد يذكرني منذ اختلفنا أحد غير الطريق
صار يكفي
فرح الأجراس يأتي من بعيد
وصهيل الفتيات الشقر يستنهض حجم الزمن المتعب
والريح من الرقعة تغتاب شموعي
رقعة الشباك كم تشبه جوعي
واثينا كلها في الشارع الشتوي
ترخي شعرها للنمش الفضي
للأشرطة الزرقاء واللذة
هل أخرج للشارع
من يعرفني
من تشتريني بقليل من زوايا عينيها
تعرف تنويني وشداتي وضمي وجموعي
أي الهي أن لي أمنية أن يسقط القمع جدار القلب
والمنفى يعودون إلى أوطانهم
ثم رجوعي
لم يعد يذكرني منذ اختلفنا
غير قلبي والطريق
صار يبكي كل شئ طعمه طعم الفراق
حينما لم يبق وجه الحزب وجه الناس
قد تم الطلاق
حينما ترتفع القامات لحنا أمميا
ثم لا يأتي العراق
كان قلبي يضطرب
كنت أبكي
كنت استفهم عن لون عريف الحفل
عمن وجه الدعوة
عمن وضع اللحن
ومن قادها ومن أنشد
أستفهم حتى عن مذاق الحاضرين
أي الهي . . أن لي أمنية ثالثة
أن يرجع اللحن عراقيا
وإن كان حزين
ولقد شط المذاق
لم يعد يذكرني منذ اختلفنا أحد في الحفل
غير الاحتراق
كان حفلا امميا
إنما قد دعي النفط ولم يدع العراق
يا الهي رغبة أخرى إذا وافقت
أن تغفر لي بعدي أمي
والشجيرات التي لم أسقها منذ سنين
وثيابي
فقد غيرتها أمس بثوب دون أزرار حزين
صارت الأزرار تخفي
ولذا حذرت منها العاشقين
لا يقاس الحب بالأزرار بل بالكشف
إلا في حساب الخائفين
وقد صبَّ دعبل الخزاعي من قبل ما يقارب ألف ومائتي سنة إلى مثل هذا التغرب النفسي والوحدة ، ومظفرظاهرة تماثله - كما نوّه الباحث الراحل هادي العلوي في كتابه ( الهجاء في الشعر العربي ).
إذاً لماذا المؤرخون وكتاب الأدب والمفكرون المنحازون من العرب قديماً وحديثاً وجهوا سهامهم على الشعراء والمعارضين دون التمعن والتفهم لذواتهم ، واحترام الرأي الآخر ، فجروا عامة العرب إلى التعصب الأعمى القاتل للأرواح والحضارة والتقدم ؟!!!
أليس من حق دعبل أن يصرخ لإنعدام مناصريه أيام الشدة كما صرخ المظفر نفسه :
ما أكثرَ الناسَ ! لا بل ما أقلهمُ *** اللهُ يعلمُ أني لمْ أقلْ فندا
إني لأفتحُ عيني حينَ أفتحها **على كثيرٍ ولكنْ لا أرى أحدا
6 - تأثري به شعراً ، كما تأثرت بعمالقة الشعر العربي قديماً وحديثاً :
أ - ضمنت بعض قصائدي بنفحات من أنفاسه ؟
) :من قصيدتي (خمسون عاماً ...!!
يا سارقي النيران والجمرات من موجِ البحر!!
يا قاتلي حلمَ الطفولةِ والغيابِ ومَنْ حضرْ
أوَ تسخرون ؟!! وعصركمْ عصر الهزائمِ يُحتضرْ!!
عصر المقابرِ والنخاسةِ والعمالةِ والغَجرْ!!
ما أدنس الأخيار منكم ْ ،( .....)
تعلو على أشرافكمْ
جيفِ العظامِ وما نخرْ !!
ب - أشرت إليه مباشرة بتضمينٍ واضح :
في قصيدتي :
نعيماً أيّــــها العـــــربُ *** وكــــلُّ ترابكم ذهبُ
التي نظمتها إثر الاجتياح التركي للأراضي العراقية بعمق 30 كيلو متر سنة 1997 م ، قلت مضمناً قول شاعرنا الكبير النواب :
ونصقلُ صوتَ(قائلنا)**عروسُ العربِ تـُغتصبُ
فلا(القدسُ)الشريفُ لكم**وفي(أوراسكمْ)صخبُ
لقد هُــــــزّتْ مرابعكمْ *** وما اهتزّتُ لكم رقبُ
ومَنْ أعذارهُ ســـببٌ*** فهلْ لشــــهامةٍ سببُ ؟!
و أخيراً لأيم الله - مرّة ثانية - لا أعرف ما علاقة المقالة التالية بمختاراتي الشعرية لأشهر شعراء النجف الأشرف ، والرجل يقول ما أعرفك إلا من خلال مختاراتك الشعريه هذه ..!! شكراً جزيلاً لصديقي العزيز وأخي الكريم الأستاذ الكاتب إبراهيم يوسف المحترم على التعقيب الكريم النبيل بإحساسه الوطني العروبي اتجاه شاعر النضال والمقاومة في عصر كان محتاجاً لمثله .....وجزماً لو كتب تلك القصائد وبإلقائه المميز حينذاك ، لما وجد إلا أذناً صماء ، فالأيام الأخرى ، تستوجب صفات أخرى ، والدنيا دول !!
******************************************
مقالة الأستاذ إبراهيم يوسف :
ترَنّمْ من لغةِ الأحزان بقلم:إبراهيم يوسف
تاريخ النشر : 2016-10-01
خ- خ+
"ترَنّمْ من لغةِ الأحزان"
إبراهيم يوسف
إلى الأستاذ كريم مرزة الأسدي
تعقيبا على المختارات الشعرية
لأشهر شعراء النجف
مع خالص مودتي
"في تلك الساعة من شهوات الليل
وعصافير الشوك الذهبية
تستجلي أمجاد ملوك العرب القدماء
وشجيرات البر تفيح بدفء مراهقة بدوية
يكتظ حليب اللوز
ويقطر من نهديها في الليل
وأنا تحت النهدين
إناء
في تلك الساعة حيث تكون الأشياء
بكاءً مطلق
كنت على الناقة مغمورا بنجوم الليل الأبدية
أستقبل روح الصحراء
يا هذا البدوي الضالع بالهجرات
تزود قبل الربع الخالي
بقطرة ماء
كيف اندس بهذا القفص القفل في رائحة الليل
كيف اندس كزهرة لوز
بكتاب أغان صوفية
كيف اندس هناك
على الغفلة مني
هذا العذب الوحشي الملتهب
اللفتات
هروبا ومخاوف
يكتب فيّ
يمسح عينيه بقلبي
في غفلة وجد ليلية
يا حامل مشكاة الغيب بظلمة عينيك
ترنم من لغة الأحزان
فروحي عربية"
في البداية دعني أعتذر عن ذنب لم أقترفه..؟ حينما لم يهبني الله النعمة التي حباها لك، وصفوة مميزة من الشعراء الميامين ممن أشرتَ إليهم. وكنتُ قد أقسمتُ وآليتُ على نفسي بألاّ أنظُمَ الشعر أو أقاربه وأُفتي به أبدا، مهما كانت الدواعي والأسباب بعدَ هزيمةٍ منكرة منيتُ بها، وخيبةٍ ما زالت مرارتُها في فمي وتحت لساني.
أهوى الشعر وأحفظُ كثيره ويطربني حين أسمعه يُغَنَّى، ولو أنني لست مغرقا في التطفل عليه، أو ملمّاً به بالقدر الكافي الذي يتيح لي أو يؤهلني بحالٍ من الأحوال، أن أناقشك أو أنتقدك في"مهنتك" ومملكتك، إلاّ على (قَّدِّ) حالي وحجمي في النثر والشعر معا. فمن عرف نفسه عرف قيمته ومن عرف قيمته فقد عرف قدْره ومن عرف قدْره فينغي له أن يحنيَ رأسه "ويتواضع".
لكنني "ولا تزعل مني" عرفتُ مظفر النواب قبل أن أعرفك أو أسمع بك بوقت طويل. فقد عرفتك من خلال صحيفة الفكر في المدة الأخيرة، وأسعدتني هذه المعرفة ولو من بعيد وأنا أشارك ببعض المساهمات المتواضعة، في كتابة القليل من المواد المنشورة في الصحيفة من حين إلى حين، وعرفته شاعرا فحلاً على أطراف الماضي البعيد..! والتقصير في معرفتك ليس تقصيرك أبدا يا سيدي.. بل التقصير هو شأني ومن مسؤوليتي وحسب.
لكن وأرجو أن تصدقني دون أن أقسم، بأنني بعيد تماما من سوء الظن والأفكار المبيتة، لكي أعتقد زوراً وبهتاناً أنك حجبتَ مظفر النواب من قائمة الشعراء المستحقين عن سابق تصور وتصميم، فأبعدته من لفتتك الكريمة للتنديد به والنيل من ملكته وتاريخه الشعري الطويل..؟ وأنك "حشرت" نفسك "بتعبيرك أنت" مع أشهر شعراء النجف، استنادا لما تفضلت بقوله في النص المنشور، ولو أتى ترتيبك بفعل تواضعك في المقام الأخير، والقائمة كانت وليسامحك الله تتسع أيضا لمظفر النواب أسوة بالآخرين..!؟
هل يكفي يا صديقي أن يكون مظفر قد ولد ونشأ في بغداد "فعانى وَنُكِّلَ به لاحقا" وهذا من خارج سياق الموضوع، أو قصَّر في نظم الشعر وقرضه..؟ لكي لا يستوجب ولا ينبغي له أن ينتسب أو يكون من عداد مدرسة شعراء النجف المذكورين "المكرَّمين"..!؟
لا أرجو أو أعتقد مطلقاً أن يكون الأمر مقصوداً أو مبيَّتا، للتضامن مع من ناوأهم مظفر النواب بسبب اتهاماتِه الحادة معظم الأنظمة العربية، بالفساد والتخاذل والعمالة والخيانة الصريحة، واستخدامه مفردات موجودة في قواميس اللغة ومنها "لسان العرب"، لكنها لا تليق بفخاماتهم وجلالاتهم وسمو مقاماتهم ومعاليهم.!؟ سوى ذلك لا أعتقد مرة أخرى أنه قصّرَ في الشعر ومواكبة ركب الشعراء المجلين.. وما من شاعر أو ناقد على وجه البسيطة يجوز أن يدّعي أنه القيِّم على الشعر المميز الجميل.. بمن فيهم أيضا شعراء العامية المحكية ولها شعراؤها المبرزون.
أما آخر سبب أستبعده بطبيعة الحال، أن يكون مظفر النواب من سلالة عراقية بالذات..؟ ولذلك فهو لا يستحق شرف الانتساب لشعراء النجف، وهو في وقع الحال وحقيقته من أصل ومن أكرم وأعرق سلالات العراق وشعرائه وأبنائه المخلصين..!؟ أخيرا أرجو أن تسامحني يا سيدي على انحيازي لمظفر النواب وعلى صلافتي وتطفلي على الشعر وعلى القراء وعليك. مهما يكن الأمر فأرجو أن تكون قد سقطت الإشارة إلى مظفر النواب بفعل السهو ليس إلاّ، وأن أكون مخطئا بأن النجف له شعراؤه المحسوبون عليه بالإشارة والأسماء.
يؤسفني حقا يا صديقي أن لا أكون عراقيا..؟ بالحد الأدنى لأكرِّم مظفر النواب كمواطن عراقي إلى جانب "المكرَّمين" الآخرين.. ولو أنني تشرفتُ غير مرة بالكتابة عن سعيد عقل ومارون عبود ونزار قباني وأنسي الحاج وجورج جرداق وجوزيف حرب وغيرهم، ممن رحلوا عنا منذ عهد قريب. واقبلْ مني بالمناسبة أن أدعوَ الله لك بقلب مؤمن ونفس طاهرة بالحياة الناجحة والعمر الطويل، والمزيد.. المزيد من الإطلالات الشعرية الموفقة والحضور الآسر الجميل.
لأنني بالشعر بدأت والشعر يعنيك..؟ فقد اخترت قصيدة قصيرة للشيخ علي بدر الدين، من جبل عامل في الجنوب اللبناني أختم بها مقالتي. الجنوب اللبناني المتاخم للأرض المحتلة في فلسطين، يفصلها عنه خط الأمم المتحدة الأزرق. رأيت من المفيد أن أشير إلى فلسطين التي نسيها العرب وانشغلوا بالنزاعات والحروب مع بعضهم. أخيرا تقبّل مني خالص تحيتي ومحبتي وتقديري لك، ولسائر الأخوة في العراق وكل القراء الكرام.
أنا يا عصفورة الشجن مثل عينيك بلا وطنِ
بِي كما بالطفل تسرقه أول الليل يد الوَسَنِ
واغتراب بي وبي فرحٌ كارتحال البحر بالسفن
أنا لا أرضٌ ولا سكنٌ أنا عيناك هما سكني
راجع من صوب أغنية يا زمانا ضاع في الزمن
صوتها يبكي فأحمله بين زهر الصمت والوَهَنِ
من حدود الأمس يا حلماً زارني طيراً على غُصُنِ
أيُّ وهمٍ أنتَ عشْتُ به كُنْتَ في البالِ ولم تَكُنِ
0 comments:
إرسال تعليق