لعلّك تستفيض مدحا في قرارات الحكومة الرشيدة عاليّة الهمة، التي لا تنفكّ تفكر فيك صباحا ومساء، إلى ذلك الحدّ الذي يمنع "لذيذ المنام" أن يداعب عيون الوزراء والوكلاء ومن قبلهم رئيس الحكومة ذاته، فهو مسؤول بحق عن كل تلك العيون المتقلبة ألما وخوفا على مصالحنا المهدرة.
آخر الآيات المنزلات من قرارات الحكومة "منع العمل الإضافي لموظفي القطاع العام"، هذا القطاع العائم فوق بركان من القهر والتسيب والفساد، قرار ستكون ثماره الرأسمالية الاقتصادية عميمة، لأنها ستشجع الكسل والنوم وقتل الطاقة الإضافية، ومحاربة الطموح والانتباه إلى ضرورة سفّ التراب عند الاحتياج ولبس شفيف الغيوم عند العراء، وانتعال الأشواك عندما تحفى الأقدام، فممنوع عليك أن تبحث وتجدّ وتعملَ. إنها صورة متألقة لمجتمع متألق يستثمر في الوهم طاقاته المختزنة، "وبورك في الشباب الخاملينا".
إن رحمة هذه الحكومة في أبنائها وصلت إلى حافّة الخوف عليهم لتبحث لهم عما يجعلهم أصدقاء حميميين لفراشهم، وصياح أبنائهم وحسرات زوجاتهم وتنهدات أرواحهم، إنها ستكون أُمّا رؤوما عندما تتركهم نهبا لأوجاعهم التي لم يستطيعوا مداواتها. فلا المشافي الحكومية ستساعدهم، لأنها ستطيل عمر آلامهم لمواعيد طويلة مؤجلة، ولا تقترب إلا بالواسطة والمحسوبية المحسوبة، ولا هم سيستطيعون التّداوي في مشافي الخمس نجوم لأنها مخصصة لأبناء الذوات من الباشاوات والرأسماليين الحيتان. وسيلجؤون إلى ما هو أسلم من علاج العقاقير إلى العلاج بالأعشاب، وبهذه الحالة ستكون الكلفة على الدولة أقل، والمنفعة أعظم وأجلّ.
لقد فاقت رؤى الحكومة رؤى الأنبياء والقديسين، لأنها ستعاقب كل موظف امتلك دكانا يقضي بها بقية نهاره باحثا عن "فتات السوق الكبيرة"، وستضطر موظفاً بسيطاً امتلك مزرعة للدواجن بمئتي طير أن يتخلص منها، ومن اقتنى دجاجتين بيّاضتين أن يذبحهما، ومن كان له شاة حلوب يسلخ جلدها، فحليبها سيؤثر على الحليب المستورد من السوق الإسرائيلية المنتعشة في بطوننا، وسيمتنع الأب عن إرسال أبنائه وبناته وزوجته للتعليم، بحجة أنهم "مشاريع اقتصادية محتملة" في المستقبل. وستضطر الكاتب ألا يكتب وألا يؤلف سطرا واحدا لأن هذه الأسطر ستتحول يوما ما إلى كتاب قد يجد من يشتريه، أو تكون مقالا يجد من المحررين من سيدفع لكاتبه بعض الدريهمات مقابل نشره في مجلة لا تقرأ وصحيفة لا يُلْتفت إليها.
إن هذه الحكومة الفاتنة المجبولة بعرق الكادحين وضرائب رواتب الموظفين، واقتطاعات ما أنزل الله بها من سلاطين، ستوفر استثناءات عميقة الرؤى والفائدة لأبناء التنظيمات المقاتلة على جبهة الموت الرجيم، وللعاملين الكبار من الوكلاء والمديرين العامّين، وأصحاب رؤوس الأموال الذين سيستفيدون جيدا من أن السوق أصبحت بلا زحمة، فيصولون ويجولون، فقد تسلل شيء من ذلك وتسرّب على لسان من هو صديق لأحد الوزراء المبرئين من العيوب. فيا أهلا وسهلا بكل تلك الفِيَلَة الضاجّة في أرض السوق.
إنّ حكومة تفكّر بهذه الطريقة العبقريّة لهي جديرة بالرشاد والاتباع وتعظيم السلام. إنها من نعم آخر الزمان على بني الإنسان في بلاد عامرة بكل الأشكال والألوان من الجنون غير الإنساني. حكومة جميلة إلى هذا الحد فليباركها الله!
0 comments:
إرسال تعليق