الاغنياء يموتون... لم أصدق ذالك ابدا... وعذري الوحيد اني كنت صغيرا يستمع الى أمه كثيرا فيصدقها في كل ما تقوله وبأنه صحيح لا يحتمل النقاش ...
في كل ليلة كان والدي بعد العشاء يشتكي لأمي ويبثها همومه بأن ذلك الرجل السيئ بلطرش لا يعطيه حقه كاملا وان هو احتج و طالبه به صرخ في وجهه وهدده بالطرد او يسبه و يشتمه و ليس هو فقط وإنما جميع العمال!
...فترد عليه أمي ساخرة بأن الاغنياء جميعهم مثله لا يختلفون ، يعتقدون انفسهم بأنهم لا يموتون لكن ليس بيد والدي حيلة !ماذا يستطيع الميت ان يفعل بين يدي غساله ؟ هو الغني الوحيد في مدينتنا الصغيرة ولا مكان تستطيع والدي ان يذهب اليه للعمل فأقرب مدينة تبعد عنا بثلاثين كيلومترا ... والعمل عزيز وقليل وأبي رب اسرة... طالما قالت له متنهدة :
- اصبر يا زوجي هذه هي الحياة ... فلأجل ابنك وابنتك الصغيرة ... حقدت على ذلك الغني وكنت دائما اتحين الفرص لأؤذي اولاده رغم انهم نادرا ما يتفضلون فيلعبون معنا...
ولما اسأل أمي عن ذلك الغني كيف صار غنيا! تقول.. الله هو الذي يقسم الارزاق فيجعل هذا غنيا وذاك فقيرا ..هذا فلاحا وذاك موظفا... وذاك مديرا... ولما الح عليها تقول بأن حكمة الله في تقدير الرزق قليل من يدركها بل لا ندركها وما علينا سوى التسليم.. وبعض الأحيان كنت اسألها إذ كان والدي غنيا مثله هل سيأكل عرق الاخرين ؟ فتبتسم وتقول :
- من يدري؟ ربما!
ثم تسرح بعيدا حالمة بالحلي والذهاب الى الحمام يوم بيوم ،وتحضر الاعراس فتلبس الفساتين الفاخرة...و لكنتُ انا اقضي عطل الصيف في مخيمات عين الترك ومستغانم بدل الجري وراء طيور الحسون والفراشات...
وفي كل مرة ينعى والدي لأمي وفاة احدهم متأسفا لأنه لم يكن بلطرش فتردعليه امي الاغنياء لا يموتون !
وغادرت الطفولة، وكبرتْ مدينتنا ،وازداد عدد الاثرياء ،وتوفرت فرص العمل ،فانتقل والدي للعمل عند إنسان أخر غير أن بلطرش استمر رمزا من رموز مدينتنا يهابه الجميع وان لم يعملوا عنده وبقى اثرا خالدا من اثارها الاجتماعية ،فهو أول من امتلك سيارة فاخرة صنعت في المانيا واول من بنى فيلا من ثلاث طوابق ، وابنته أول من درست الطب في جامعة وهران ثم في فرنسا ... أما اولاده الذكور فقد اختاروا نهجه المقاولات والتجارة...
ولما بلغ بلطرش الثمانين اكتشفت أن أمي كانت مخطئة وعرفت أنها كانت فقط تتعمد اغاضة والدي ..او تشتهي المزاح معه! اذ توفى بلطرش بعد مرض اقعده الفراش ثلاث اشهر...
وكل سكان مدينتنا القدامى عادوه ؛ الاغنياء والفقراء إلا والدي واثنين من عماله السابقين ...
ورافقت والدي لكي نعزي اولاده لكن ما تصورت أبدا أن يقول والدي كلمة خير في بلطرش اذ مدحه واثنى عليه! قال كلاما طبيا ادخل السرور الى قلوب اولاده وقد تبينت اثر ذلك على وجوههم!
منذ أن وعيت ذاتي وهو يتذمر منه وينقم عليه ويدعو الله عليه حتى بعد عن توقف عن العمل عنده!
انتحيت بوالد جانبا بعيدا عن المعزين فضغط علي يدي اليمنى وقال مبتسما :
-لا تقل شيئا ... الاغنياء ايضا يموتون...والفقراء ايضا يموتون...
والميت في الدار الدائمة أحوج ما يكون الى كلمة طيبة!
ولم نبتعد إلا خطوات قليلة حتى سمعنا اكبر اولاده ينادي والدي ويحلف عليه بأن يمكث لكي يتغذى فالموائد جاهزة...
في كل ليلة كان والدي بعد العشاء يشتكي لأمي ويبثها همومه بأن ذلك الرجل السيئ بلطرش لا يعطيه حقه كاملا وان هو احتج و طالبه به صرخ في وجهه وهدده بالطرد او يسبه و يشتمه و ليس هو فقط وإنما جميع العمال!
...فترد عليه أمي ساخرة بأن الاغنياء جميعهم مثله لا يختلفون ، يعتقدون انفسهم بأنهم لا يموتون لكن ليس بيد والدي حيلة !ماذا يستطيع الميت ان يفعل بين يدي غساله ؟ هو الغني الوحيد في مدينتنا الصغيرة ولا مكان تستطيع والدي ان يذهب اليه للعمل فأقرب مدينة تبعد عنا بثلاثين كيلومترا ... والعمل عزيز وقليل وأبي رب اسرة... طالما قالت له متنهدة :
- اصبر يا زوجي هذه هي الحياة ... فلأجل ابنك وابنتك الصغيرة ... حقدت على ذلك الغني وكنت دائما اتحين الفرص لأؤذي اولاده رغم انهم نادرا ما يتفضلون فيلعبون معنا...
ولما اسأل أمي عن ذلك الغني كيف صار غنيا! تقول.. الله هو الذي يقسم الارزاق فيجعل هذا غنيا وذاك فقيرا ..هذا فلاحا وذاك موظفا... وذاك مديرا... ولما الح عليها تقول بأن حكمة الله في تقدير الرزق قليل من يدركها بل لا ندركها وما علينا سوى التسليم.. وبعض الأحيان كنت اسألها إذ كان والدي غنيا مثله هل سيأكل عرق الاخرين ؟ فتبتسم وتقول :
- من يدري؟ ربما!
ثم تسرح بعيدا حالمة بالحلي والذهاب الى الحمام يوم بيوم ،وتحضر الاعراس فتلبس الفساتين الفاخرة...و لكنتُ انا اقضي عطل الصيف في مخيمات عين الترك ومستغانم بدل الجري وراء طيور الحسون والفراشات...
وفي كل مرة ينعى والدي لأمي وفاة احدهم متأسفا لأنه لم يكن بلطرش فتردعليه امي الاغنياء لا يموتون !
وغادرت الطفولة، وكبرتْ مدينتنا ،وازداد عدد الاثرياء ،وتوفرت فرص العمل ،فانتقل والدي للعمل عند إنسان أخر غير أن بلطرش استمر رمزا من رموز مدينتنا يهابه الجميع وان لم يعملوا عنده وبقى اثرا خالدا من اثارها الاجتماعية ،فهو أول من امتلك سيارة فاخرة صنعت في المانيا واول من بنى فيلا من ثلاث طوابق ، وابنته أول من درست الطب في جامعة وهران ثم في فرنسا ... أما اولاده الذكور فقد اختاروا نهجه المقاولات والتجارة...
ولما بلغ بلطرش الثمانين اكتشفت أن أمي كانت مخطئة وعرفت أنها كانت فقط تتعمد اغاضة والدي ..او تشتهي المزاح معه! اذ توفى بلطرش بعد مرض اقعده الفراش ثلاث اشهر...
وكل سكان مدينتنا القدامى عادوه ؛ الاغنياء والفقراء إلا والدي واثنين من عماله السابقين ...
ورافقت والدي لكي نعزي اولاده لكن ما تصورت أبدا أن يقول والدي كلمة خير في بلطرش اذ مدحه واثنى عليه! قال كلاما طبيا ادخل السرور الى قلوب اولاده وقد تبينت اثر ذلك على وجوههم!
منذ أن وعيت ذاتي وهو يتذمر منه وينقم عليه ويدعو الله عليه حتى بعد عن توقف عن العمل عنده!
انتحيت بوالد جانبا بعيدا عن المعزين فضغط علي يدي اليمنى وقال مبتسما :
-لا تقل شيئا ... الاغنياء ايضا يموتون...والفقراء ايضا يموتون...
والميت في الدار الدائمة أحوج ما يكون الى كلمة طيبة!
ولم نبتعد إلا خطوات قليلة حتى سمعنا اكبر اولاده ينادي والدي ويحلف عليه بأن يمكث لكي يتغذى فالموائد جاهزة...
0 comments:
إرسال تعليق