من غير المنطقي في الفهم السياسي أن يكتشف العرب فجأة السياسات القطرية ويبدأوا بالتحرك ضدها في خطوات متسارعة وشبه اجماع عليها، على الرغم أن قطر عضوًا في التحالف العربي الذي يضرب اليمن منذ عدة أشهر بعملية طويلة (عاصفة الحزم)، وتشارك فيه عسكريًا خصة وأنه موجه ضد قوى حليفة لإيران التي تتهم قطر بالتعاون معها حاليًا، مما يؤكد الإعتقاد السائد أن هناك مستجدات سياسية أحدثت تحولًا كبيرًا وخطوات تصعيدية ابتزازية كبيرة ضد قطر التي لم تخرج يومًا عن الصف الخليجي وسياساته منذ زمن بعيد، وأضعف الإيمان منذ حرّاكات الشعوب العربية التي شارك فيها الخليج العربي بشكل مؤثر في مهام وظيفية محضة، هذا إن تجاوزنا الحدث التاريخي الأبرز الذي قامت به هذه الدول في الحرب الأفغانية وتصدير مئات الشباب بل آلاف الصبية إلى الساحة الأفغانية ودعمهم بالمال والعتاد والأفكار الشاذة لنصرة وانصار السياسات الأمريكية ضد الإتحاد السوفيتي السابق ونظام نجيب الله الأفغاني، ولم يهدأ لها عضد إلا عندما أغرقت أفغانستان بالعنف والظلام، وأعادته لمؤخرات التاريخ ونجحت باختلاق وخلق قوى عقئدية متطرفة تتخذ من الدين وسيلة استقطاب لضرب كل مكونات الوطن العربي، ونجاحها في غزو العقل الشبابي العربي وتغذيته بالشذوذ العقائدي والطئفي لنصرة السياسات الأمريكية والتي من خلالها أيضًا نجحت في ضرب العراق وتفتيته وإعادة لعهد الظلمات ولتناحرات، وتحويله من عرق منسجم اجتماعيًا لعراق مشرذم طائفيًا ومذهبيًا، ليعيش العراق مرحلة التغول البشري، بل وساهمت وشاركت كذلك في تنفيذ المخطط الأمريكي في ليبيا وحولت ليبيا لمستنقع تناحري دموي، وكذلك اليمن فسوريا التي مزقت طائفيًا وعقائديًا، والقارئ والمطلع على جملة هذه الأحداث يدرك أن الخليج العربي اتخذ الطائفية والمذهبية لإستهداف كل القوى التي تصطف بجانب المقاومة، والتي تصمد أمام التصدي للتطبيع مع العدو الصهيوني وتمرير مخططاته في المنطقة، والقوى القومية العربية.
إذن ما هو السر في اكتشاف دعم قطر للإرهاب رغم أن القوى التي تدعمها قطر هي نفس القوى التي دعمتها تدعمها كل دول الخليج قاطبة منذ سنوات عديدة، وشكلت لها رافعة سياسية واقتصادية للإنطلاق والفعل؟
إن المتغير الأهم أو المتحول السياسي الذي تتوحد دول الخليج به ضد قطر اليوم هو استنساخ أدوات جديدة لإستراتيجيات جديدة حملها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في جولته الأخيرة، وربما تتأتى ضمن الإتفاقيات المليارية التي وقعها مع السعودية وختمها بزيارة للكيان الصهيوني ليضفي عليها الشق السياسي، والمستهدف منها ليس قطر لأن الدوحة لا يمكن تصنيفها ضمن محور الممانعة أو المقاومة، بل هي دولة وظيفية لا يمكن لها أن تخرج عن طور السياسات الأمريكية في المنطقة، ولكنها تأت ضمن سياسات التوظيف ومحاولات الضغط لإحقاق انكسارات جديدة تلوح بالأفق، وتصفية جماعة الأخوان المسلمين التي استنفذت هي الأخرى دورها المرسوم لها، وعدم امتلاكها كلاعب أي أوراق مستقبلية في المنطقة، أي وفق الفهم الأمريكي لم تعتد تمتلك اللياقة الذهنية لإستكمال فصول المخطط العام ولكن هي محاولات أخيرة لتجريد وإخضاع أهم ذراع بجماعة الأخوان ألا وهي حركة حماس الفلسطينية سياسيًا وزجها بأتون مشروع سياسي بعدما أستنفذت مكوناتها وثوابتها لرفع الراية البيضاء كما وسبق الفعل مع حركة فتح بعد عام 1991 في ظل فراغ الحالة الفلسطينية من القوى المؤثرة التي يمكن أن تشكل عائقًا أمام مخططات مستقبلية، ولا أستبعد أن تكون ولاية ترامب هي الفاعل الأساسي لوضع حلول للمسألة الفلسطينية بعدما تم تمهيد الرأي العام الشعبي العربي والرسمي كذلك لفرض حلول للمسألة الفلسطينية، وانهيار كل قوى الممانعة والمقاومة التي كانت تفضح وتعرقل أي محاولات سابقة، وكذلك انهاك وإضعاف المقاومتين اللبنانية والفلسطينية بعدما زجوا بها بالعديد من الأزمات الداخلية والخارجية، وتحييد الدور الإيراني وإغراقه بسوريا.
أي أن الخطوات الخليجية والعربية ضد قطر بالمآل النهائيهي عملية تمهيدية شاملة وأخيرة لمتغيرات مستقبلية في إطار تقييد الدور الإيراني المتعاظم إقليميً في المنطقة من ناحية، وتفكيك القوى والملفات التي تقف عثرة في وجه المخطط الأمريكي للمنطقة بعد مرحلة تصفية القوى والدول الوظيفية التي تم تشكيلها لتنفيذ لمرحلة السابقة مثل (داعش وقطر)، ولعملية تطبيع واسعة مع الكيان الصهيوني. ومهما بلغت حدة التوتر والإجراءات ضد قطر فإنها لن تتخذ الشكل العسكري التي تحاول الخروج من أزمتها وفق خطوات معينة أهمها ترحيل القيادات الأخوانية والإعتدل في النهج الإعلامي، وهو المتوقع في المستقبل القريب على خلاف عملية التحرش التي قامت بها الكويت سابقًا لإستدراج العراق، ولكن السيناريو العراقي تطلب تدخلًا عسكريً بما أن العراق دولة متماسكة وقوية ومؤثرة عسكريًا، واقتصاديًا، وهو ما لم تتمتع به قطر الدولة الصغيرة التي لا تمتلك من مقومات الدول إلا ثروات الغاز التي تدر عليها اقتصاد يوظف لإملاءات وسياسات محددة في المنطقة.
إذن فالخلاصة العامة من هذه التحولات والمتغيرات هو تحجيم القوة الإيرانية وفتح جبهة أخرى لها من ناحية، واستدرج بعض القوى التي لن تجد مفرًا من ذلك، وعلى وجه التحديد حركة حماس التي قدمت كثيرًا في العقد الأخير على المستوى السياسي، وتحاول جاهدة للحاق بركب العملية السياسية الشاملة في ظل انحصار خياراتها بين تركيا وهي الأقرب لإستكمال عملية الترويض، أو لعودة إلى إيرن من جديد وهذه العودة لن تؤتي بجديد بما أن إيرن تدرك أن الأمور لم تعد عما كانت عليه سابقًا، وتزداد تأزمًا بعد الأزمة السورية، وأن سوريا لم تعد هي سوريا قبل عام 2011، ولا يمكن التعويل على حركة حماس بعد مواقفها وسياساتها الأخيرة في المنطقة وانحيازها لقوى المال. ويمكن قراءة ذلك من خلال عدة نقاط ومحاور أهمها:
1. رضوخ قطر وانسحابها تدريجيًا من سياساتها السابقة، وتعديل تكتيكاتها لتتلائم والدور الجديد المطلوب منها بما يحفظ ماء الوجه.
2. مشاركة حركة حماس بالعملية السياسية الشاملة وتوافقها مع ما جاء بوثيقتها الأخيرة والاعتراف بحدود دولة على أراضي 1967.
3. السلطة الفلسطينية شريك فاعل في السياسات والإستراتيجيات التي ترتبت على قمة العقبة 2017 مما دفع الرئيس محمود عباس للتصريح العلني ببدء خطوات استعادة غزة، وضرورة عودة حركة حماس عن قراراتها وانقسامها.
4. صياغة اتفاق فلسطيني – إسرائيلي جديد لن يخرج عن تفاهمات أوسلو 1994 مع استحداث شكل أكثر جمالًا لن يكون دولة فلسطينية مستقلة.
5. عودة قطر للساحة من جديد ولكن بشكل ووجه جديد أي نيولوك ساسي جديد ووظيفة جديدة.
6. حل الأزمتين السورية والليبية وفق تفاهمات وتكتيكات جديدة ربما تبقي على بشار الأسد على رأس النظام شكلًا وحل الأزمة لليبية من خلال إعادة سيف الإسلام القذافي للمشهد.
7. صياغة تفاهمات وتكتيكات جديدة مع إيران وحزب الله اللبناني وانتهاج سياسة التوازن السياسي الإيراني على غرار المواقف والسياسات التركية.
8. إشراك روسيا والصين في الترتيبات الجديدة ولو بشكل جزئي خاصة وأن الصين ساهمت في نزع فتيل الأزمة مع كوريا الشمالية من خلال الضغط على الرئيس الكوري الشمالي، وهو ما يمكن اسناده لروسيا والصين بالضغط على بعض القوى في سوريا وليبيا، وإيران، وحزب الله.
9. إعادة تركيا بشكل فاعل ومؤثر في الترتيبات المستقبلية وخصة ف الساحات الأهم فلسطين، سوريا، العراق.
0 comments:
إرسال تعليق