الراحل الكبير الإمام الخميني رضوان الله عليه قائد الثورة الإيرانية ومرشدها العام،غادر هذه الدنيا وكلمتان ملازمتان للسانه فلسطين والقدس،وكذلك كانت وما زالت فلسطين المحتلة والقدس المحتل،عناوين الثورة الإيرانية.
وعلى نهج وهديّ الإمام الخميني صار المرشد الحالي علي خامينائي والقيادة الإيرانية الحالية،حيث إحتضنت طهران ستة مؤتمرات دولية لدعم إنتفاضة الشعب الفلسطيني،والتي كان آخرها في الحادي والعشرين والثاني والعشرين من شباط الماضي،ذلك المؤتمر الذي هدف الى إعادة الإعتبار للقضية الفلسطينية وإعادتها الى صدارة المشهد الدولي والإقليمي والعربي،حيث تتعرض الى أشرس عملية تهميش وطمس .
ايران في وقت يختلف واختلف فيه المسلمون والعرب حول أولوية واهمية ومركزية قضيتي فلسطين والقدس،في عقدها للمؤتمر الدولي السادس لدعم الإنتفاضة،هدفت الى تجميع المسلمين بغض النظر عن مذهبيتهم حول تلك القضيتين،وهي تنطلق من رؤيا موحدة وجامعة،وتهدف أيضاً الى ان تعيد للصراع أسسه وجوهره كصراع عربي- اسلامي،جوهر ومركزه القضية الفلسطينية،بعد أن تعرضت اسس الصراع وجوهره الى تشوه كبير على يد دعاة نهج المذهبية في الوطن العربي والإسلامي،بتصويره كصراع عربي- فارسي.
ايران تنزع المذهبية عن الصراع،وهناك من يمعن في نشر وشن الحروب المذهبية في الوطن العربي،وكذلك نشر الفكر الوهابي التكفيري،فكر القتل والدمار والتخريب.
الصرخة المدوية التي اطلقها الإمام الخميني في 7/8/1979،بإعتبار الجمعة الأخيرة من شهر رمضان من كل عام، يوماً للقدس العالمي،يوماً تخرج فيه الجماهير العربية والإسلامية للشوارع والساحات والميادين العامة لتعبر عن غضبها والإحتجاج على ما تتعرض له المدينة من عمليات"إغتصاب" وتطهير عرقي و"تغول" و"توحش" إستيطاني،يطال كل معالم الوجود العربي الفلسطيني فيها،وكل بقعة من أرضها.
القدس تحتل الأولوية في الإستراتيجية الإيرانية،وهي تنطلق في دعمها لشعبنا ولقضيته الوطنية العادلة ولمقاومته،من منطلقات مبدئية،وتعبر عن مواقفها هذه بكل علنية ووضوح،رغم كل الضغوط والمؤامرات التي تتعرض لها من قبل أمريكا والصهيونية العالمية والإستعمار الغربي.
منذ الصرخة المدوية التي أطلقها المرحوم الكبير الإمام الخميني قبل ثمانية وثلاثين عاماً من أجل القدس،جرت في النهر مياه كثيرة،فالعرب والمسلمون لم يعودوا موحدين حول قضية القدس،ولم تعد بوصلتهم ولا قضيتهم الأولى،حيث تستعر الخلافات والحروب المذهبية والطائفية،التي يغذيها مروحة واسعة من الدول العربية وفي المقدمة الخليجية منها،حتى ان العديد منها يتجه لعلانية وشرعية علاقاته التطبيعية والتنسيقية والتعاونية والتحالفية مع دولة الإحتلال الصهيوني على حساب حقوق شعبنا وقضيته وفي المقدمة منها القدس.،وهذه الذكرى لم تعد تحيي في العديد من البلدان العربية المعادية لطهران،بل يجري منعها وقمعها،رغم ان إحياءها في تلك البلدان،كان يتم من خلال الشعارات والهتافات والمسيرات والمظاهرات والتي جزء منها "مدجن"،وتسمح به الأنظمة تحت أعينها وسقفها،لكي تمتص غضب الجماهير،ومن اجل التفريغ والتعبير عن غضبها وعواطفها ومشاعرها. في الوقت الذي يخفت ويبهت الصوت العربي- الإسلامي حول القدس،وبالكاد نسمع بيانات الشجب والإستنكار لما يقوم به الإحتلال من قمع وتنكيل وإجراءات قمعية وإذلالية بحق القدس وسكانها العرب الفلسطينيين،نجد أن المحتل مستمر في خططه ومشاريعه التهويدية ومشاريع التطهير العرقي،مترافقة مع مشاريع أسرلة و"صهر" الوعي المقدسي عبر سيطرة كاملة على العملية التعليمية في مدينة القدس،وعبرنة أسماء الشوارع والأزقة والحارات وحتى الأماكن السياحية،ونشهد كل يوم قوانين وتشريعات عنصرية جديدة تستهدف السيطرة على المدينة وحسم امرها بشكل نهائي،وإخراجها من دائرة أي مفاوضات سياسة مع السلطة الفلسطينية،او ضمن ما يسمى بالإطار الإقليمي للمفاوضات،فنتنياهو قال بأن القدس ستبقى موحدة وتحت السيادة الإسرائيلية،ولم يكتفي المتطرف بينت زعيم "البيت اليهودي" بتلك الأقوال،بل تقدم الى اللجنة الوزارية للتشريع الصهيوني بمشروع قانون،يمنع تقسيم القدس مستقبلاً او تسليم جزء منها وضم السيطرة عليه الى سلطة غير يهودية او اجنبية،إلا بموافقة ثلثي أعضاء "الكنيست" البرلمان الصهيوني ( 80) عضواً،بمعنى عدم التنازل عن الأحياء العربية في المدينة،وأيضاً المتطرفة ميري ريغيف من نفس الحزب ووزيرة الثقافة والرياضية الصهيونية،في الذكرى الخمسين لإغتصاب القدس، قالت :- يجب أن نضيف الى شعار توحيدها تحريرها من الغرباء.وكذلك المسجد الأقصى يقع في قلب الإستهدافات الصهيونية،حيث أن العديد من المنظمات والجمعيات الإستيطانية والتلمودية والتوراتية المتسلحة بأيديولوجيا قائمة على الخرافات والأساطير،لا تكف عن مواصلة إقتحاماتها للأقصى وبوتائر متسارعة وباعداد كبيرة،كذلك استمرار الحفريات اسفل وحول المسجد الأقصى وإقامة الكنس والأبنية التلمودية والتوراتية بالقرب منه.
الحرب شاملة على القدس،والهدف واضح تغيير فضائها ومكانها ومشهدها العربي الإسلامي وإستبداله بفضاء ومكان يهويد توراتي،عبر تزوير التاريخ وطمس كل معالم الوجود العربي الإسلامي فيها من حضارة وتراث وآثار ومقدسات.
منذ صرخة الإمام الخميني،وحتى اللحظة الراهنة،اسرائيل تضخ مليارات الدولارات من اجل تهويد المدينة،وزرعها بالمستوطنات،ونحن نعقد القمم العربية والإسلامية حولها،وتجتمع اللجان المسماة باسمها،وتقر دعماً للقدس،لا يصل منه إلا النزر اليسير،وأغلبه يتبخر بعد إنتهاء تلك القمم وإجتماع تلك اللجان.
القدس تضيع،ونحن نسير على نفس النمط والوتيرة والنهج"جعجعات" و"هوبرات" إعلامية وتصريحات ومقابلات صحفية،وشعارات وبيانات شجب وإستنكار،ونخوض جدال بيزنطي حول جنس الملائكة ذكر ام انثى.
نحن بحاجة الى الخروج عن ما هو مألوف،نحن بحاجة الى مواقف عملية،تخرج عن كل الأشكال والسياقات القديمة،بدل المبالغ التي تصرف للصراخ والهتاف وغيرها،تبرعوا بتلك المبالغ من اجل شراء منازل وبيوت وعقارات ووقفها،تبرعوا من اجل إقامة مشاريع إسكان في القدس،تحمي الأرض من خطر المصادرة،تبرعوا من اجل بناء مدارس في القدس،تثبت الطلبة في مدينتهم،وتحمي ذاكرتهم ووعيهم من خطر التشويه و"الصهر"،فإحتلال الوعي يعادل إحتلال الأرض.
الإمام الخميني أطلقها صرخة مدوية،حولوا صرخة هذا الإمام الى أفعال حقيقية،فالتاريخ لن يرحم احدا منكم في حال ضياع القدس،وبدل الأموال التي تصرفونها على تدمير بلدانكم،وقتل أبنائكم بها،يا ليت لو تصرفون الجزء اليسير منها لدعم صمود المقدسيين وبقائهم في قدسهم وعلى أرضهم.
0 comments:
إرسال تعليق