بعد سقوط الموصل بأيدي الدواعش في حزيران من عام 2014 .. قرأنا وسمعنا عمّا جرى للإيزيدين والإيزيديات، على وجه الخصوص، على أيدي البرابرة المتوحشين الدواعش ولكنَّ ما قرأتُ في رواية الأستاذ نوزت شمدين حول أوضاع الإيزيديين في مناطقهم المعروفة التي احتلها واستباحها الدواعش في كردستان العراق ومحافظة نينوى ولا سيّما مدينتي سنجار وتلعفر ثمَّ بعشيقة ولالش وباقي القرى والقصبات ... جاء توثيقاً تسجيليّاً دقيقاً وتصويراً روائياً بأنساق فنية عالية وبلغة يحسدها عليها غيرالقليل من السادة الذين يمارسون الكتابة باللغة العربية فالسيد شمدين رجل كردي حسبما جاء في نص بطاقته الشخصية التعريفية في آخر الرواية.
لفتت نظري، فضلاً عن الدقّة والبراعة التشخيصية والتصوير المباشر للأحداث التي عاصرها قبل وبعد اصطفافه مع الدواعش مساعداً للحاج بومة، مسؤول سجلّ الوفيات لدى داعش، لفتت نظري قدرته الذكية على السخرية خاصة في المواقف الدرامية الساخنة فيبكيك وأنت تضحك وقد يُضحكك وأنت تبكي.
ما الذي جعله يتعاون مع الغزاة القتلة الدواعش ؟
ذلك هو قلب وجوهر الرواية وعقدتها الإنسانية الراقية فلقد أحب السيد " مُراد " بطل الرواية الأول فتاة إيزيدية بسيطة فقيرة تبيع البصل الأبيض ( لماذا البصل الأبيص وليس سواه ؟ ) على قارعة طريق السيارات اسمها " فيروز ". إختفت فيروز فعرف أنها قد اُختطفت مع الكثيرات الكثيرات غيرها من الفتيات والأطفال والنساء الناضجات الإيزيديات من قِبَلِ شراذم الغُزاة فآلى على نفسه أنْ يتتبع آثار فيروز باذلاً الغالي والنفيس ومخاطراً بحياته للكشف عن مصير الفتاة التي أحبَّ ثم محاولة إنقاذها وإعادتها إليه أو إلى بعض أقاربها أو تسليمها للجيش العراقي. هكذا يكون حب الرجل الكريم النبيل وقديماً قيل : الجُودُ بالنفسِ أقصى غايةِ الجودِ فرخُصت حياة " مُراد ـ أبو ريشة " تحت ضغط قلبه ودواعي هواه لتلك الفتاة الإيزيدية البائسة علماً أنه نفسه عربي مسلم كما أفاد هو نفسهُ في تفاصيل هذه الرواية.
بعد محاولات ومغامرات، لا يخلو بعضها من بعض الطرائف، عثر على فيروز حيّةً ولكن كان قد تم اغتصابها من قبل بعض مسؤولي وقادة الدواعش مثل " أبو القعقاع ".
أنقل ما قالت فيروز نفسها حرفياً :
(( سلّمنا أبو دُجانة إلى رجل أجنبي ضخم يُدعى أبو القعقاع، في جبينه الأيسر أثر نُدبة عميقة وشعره الأشقر نازل حدَّ كتفيه. سمعته يسأل بعربية فُصحى :
التي بالصورة نفسها ؟
فردَّ عليه : وبنصف السعر مع أختها هدية منّي لك.
كان لأبي القعقاع زوجة وطفلة بمثل سن المرحومة نعام ، وسبية أخرى من مجموعات جنوب غرب جبل سنجار في الثلاثين من عمرها تُدعى فريال ... / الصفحة 238 )).
الطفلة نعام هي شقيقة فيروز الصغرى حزَّ رقبتها زجاج تناثر نتيجة انفجار كبير هزّ البناية التي كانتا مُحتجزتين فيها مع الشقيقة الأخرى كولي وسبيات وأسيرات أخريات.
هذا الروائي الفذ هو رجل قانون في الأساس لكنه مثل كثيرين توجه للكتابة والصحافة والأدب ويدير اليوم موقعاً بإسم " باش طابيا " وهو اسم كردي أو إيزيدي أو إيزيدي ـ كردي ... لا أدري فإني أجهل اللغة الكردية.
وصلتني هذه الرواية مع كتاب آخر بالبريد هدية لي من الأستاذ نوزت شمدين فشكراً جزيلاً له على صنيعه هذا وأعتذر منه أني أمر بظروف صحية حرجة لا تسمح لي بالتعمّق والإفاضة في الكتابة عن روايته هذه التي أتمنى لها النجاح كل النجاح وكل الإعتبار الذي تستحق.
هامش
نوزت شمدين " شظايا فيروز "
الناشر : المؤسسة العربية للدراسات والنشر. بيروت، لبنان
الطبعة الأولى 2017
0 comments:
إرسال تعليق