يحاجج البعض بأنه مرت على شعبنا الكثير من المشاريع والمؤامرات و"الطبخات" السياسية من أجل تصفية قضيتنا ومشروعنا الوطني،وان شعبنا الفلسطيني استطاع عبر نضالاته وتضحياته الجسيمة والمتواصلة والكبيرة افشال تلك المشاريع والمؤامرات و"الطبخات" السياسية من طراز الوطن البديل والتقاسم الوظيفي وروابط القرى وغيرها،حيث كانت كل القوى الوطنية منخرطة في عنوان واحد وإطار جبهوي موحد،منظمة التحرير الفلسطينية،وكان للثورة والمقاومة الفلسطينية حواضنها وإمتدادتها العربية والإقليمية والدولية،وبالإستناد لهذه الرؤيا والتحليل ولتلك التجارب ...فإن البعض يحاجج بأن شعبنا الفلسطيني قادر على إفشال جديدها،ناسياً او متناسياً او قافزاً على المتغيرات والمياه الكثيرة التي جرت في النهر،ففلسطينيا لم تعد هناك حركة وطنية موحدة ونشات سلطة تحت الإحتلال بدون سيطرة على الأرض،اخرجت وحيدت جزء كبير من الحركة الوطنية من الإنخراط في المعارك ضد الإحتلال...ومن ثم اضيف لذلك قضية الإنقسام التي تفعل فعلها في الجسد الفلسطيني نهشاً وضعفاً، كذلك تعزز هذا الشرخ في الخطوات المتبادلة التي جرت بين غزة ورام الله،حيث السلطة في رام الله في ضغطها على حماس من اجل إستعادة السيطرة على القطاع لجات الى خطوات عقابية مست بالمواطنين الغلابا والفقراء المحاصرين،والذين يعانون البطالة والفقر والعيش على الإعانات الخارجية،قبل ان تمس قيادة السلطة هناك حماس،او تشكل عامل ضغط عليها،فالناس هناك بسبب تلك الخطوات العقابية من طراز تخفيض رواتب موظفي السلطة في القطاع بنسبة 30% وعدم تسديد أثمان فاتورة الكهرباء للشركة الإسرائيلية المغذية للتيار،وتخفيض تزويدها للقطاع بالكهرباء بنسبة 48 ميغا واط وقطع رواتب أسرى صفقة "الوفاء للأحرار" ووقف التحويلات الطبية للحالات المريضة الخطرة،والتقاعد القسري لجزء من موظفي السلطة في القطاع..الخ،بالمقابل حماس من اجل الخروج من هذا المأزق ومن مازق إرتدادات الأزمة القطرية عليها،وبما يمكنها من إستمرار إستقرار حكمها وسيطرتها على القطاع لجات إلى عقد اتفاق مع محمد دحلان النائب في المجلس التشريع والمفصول من حركة فتح كعضو لجنة مركزية فيها وزعيم التيار الإصلاحي في فتح وبرعاية مصرية،بما يضمن توريد الوقود المصري لمحطة كهرباء غزة،وتحقيق المصالحة المجتمعية بأموال إماراتية وفتح معبر رفح وإعطاء دور لدحلان في الشؤون السياسية الخارجية.
المتغير الاخر هو سقوط وغياب الحاضنة العربية،حيث نشهد تغيرات جوهرية في بنية وتركيبة ودور ووظيفة النظام الرسمي العربي،الذي ينتقل جزء لا يستهان به منذ توقيع اتفاقيات "كامب ديفيد" من المعادي لدولة الإحتلال ولو على الصعيد النظري الى المنسق والمتعاون والمتحالف والمشرعن للتطبيع معها علنا،بل لا نجافي الحقيقة اذا ما قلنا بأن العديد من الدول العربية،سيجري استخدامها من اجل الضغط على الجانب الفلسطيني،لتقديم تنازلات جديدة في أي مفاوضات وتسويات سياسية قادمةً...وكذلك الحاضنة الأممية لم تعد قائمة من بعد سقوط الإتحاد السوفياتي ودول المنظومة الإشتراكية،حيث فقدت القضية والمقاومة الفلسطينية بعدها وتعاطفها وتضامنها الأممي....هذه المتغيرات والعوامل الخطيرة،وكذلك ما يشهده المجتمع الإسرائيلي من حالة التطرف والإنزيحات بشكل كبير نحو اليمينية المتطرفة بشقيها الديني والوطني العلماني والمتنكرة للوجود والحقوق الوطنية الفلسطينية.
كل هذه العوامل والمتغيرات علينا ان نتوقف عندها بشكل كبير وعميق،وأن لا نستمر في ترديد نفس الكلام و"الكليشهات" والإنشاء والخطب الرنانة بأن شعبنا قادر على إفشال المؤامرات والمشاريع المشبوهة و"الطبخات" السياسية..... فكل هذه المتغيرات والتطورات الحاصلة داخلياً وخارجياً تحتاج منا الى قراءة معمقة والى رسم استراتيجية فلسطينية موحدة وبرنامج موحد ورؤيا وموحدة ورأس قيادي موحد، وكل هذه العوامل حتى اللحظة غائبة،وإستمرار غيابها على مذبح الأجندات الخاصة والمصالح والمكاسب الفئوية والصراع على سلطة منزوعة الدسم والتدخلات العربية والإقليمية في القرار والشان الداخلي الفلسطيني،من شانها ان تصعب من قدرات شعبنا على المواجهة والتصدي ودحر مثل هذه المشاريع الكارثية ...والتي تحتاج الى تكتيكات سياسية عالية...ووحدة شعبية ميدانية وقيادة موحدة منصهرة مع هموم شعبها،وقائدة لنضالاتها وتضحياتها،ومدافعة عنيدة عن حقوقها.
نحن نشهد حرباً شرسة تقودها اسرائيل على الشعب الفلسطيني وكل تمظهرات وجوده وحقوقه،بغرض التصفية النهائية لنا كشعب وحقوق وقضية،فإسرائيل تستشعر بأن الظروف الناشئة فلسطينياً وعربياً ودوليا توفر لها فرصة فرض حل تصفوي كشفت عنه صحيفة "الجيروسلم بوست" الإسرائيلية من خلال مقال لكاتب اسرائيلي "اوفر اسرائيلي" أحد الخبراء في الشؤون الجيوسياسية وأحد أقطاب مؤتمر هرتسليا الذي يرسم الإستراتيجيات لدولة الإحتلال لعشرات أعوام قادمة وكيفية مواجهة الأخطار المحدقة بدولة الإحتلال،ومشروعه يقوم على أساس ما يسميه بالكيان الفلسطيني المزدهر،والمقصود هنا "جيتوهات " و"كنتونات" فلسطينية معزولة تحت سيطرة الإحتلال،بحيث يجري ربط قطاع غزة كونفدرالياً مع مصر،وما يتبقى من الجغرافيا في الضفة الغربية والزائد عن حاجة الأمن الإسرائيلي يرتبط كونفدرالياً مع الأردن،والقدس تبقى موحدة وغير مقسمة وعاصمة أبدية لدولة الإحتلال،مع اعتراف فلسطيني وعربي بإسرائيل كدولة يهودية.
هذا هو جوهر المشروع الإسرائيلي للحل،والذي يعبر عن وجهة النظر الإسرائيلية الرسمية،حيث ستطالب اسرائيل امريكا بالضغط على الفلسطينيين من خلال بلدان الخليج العربية المذعورة من ايران من اجل الضغط على الفلسطينيين للقبول به وتمريره.
إن بقاء الحالة الفلسطينية على ما هي عليه من تفكك وإنقسام ومناكفات داخلية وتحالفات عربية وإقليمية لطرفي الإنقسام وسلطتي غزة ورام الله،من شأنه ان يسمح بتمرير وفرض حلول سياسية كارثية على شعبنا الفلسطيني تصفي حقوقه وقضيته الوطنية العادلة ...؟؟؟
0 comments:
إرسال تعليق