كان رئيس الوزراء الأسترالي ألأحراري الأسبق جان هاورد يردد أنه لا حاجة ولا ينبغي لأستراليا أن تختار بين أكبر شريك تجاري (الصين) وبين الحليف الاستراتيجي والضامن الأساسي لأمننا (الولايات المتحدة ألأميركية).
لكن، عقب أنتخاب الرئيس الأميركي الجديد وسياسته التي تركز على أميركا أولاً، والطلب من حلفاء الولايات المتحدة المساهمة المالية مقابل الحماية الاميركية، بدأت بعض الأصوات في أستراليا تفكر جدياً في كيفية تبني سياسة أسترالية تعتمد على الذات والبحث عن خيارات وتحالفات أقليمية لتعزيز الأمن القومي الأسترالي مع الحفاظ على علاقات مميزة مع الولايات المتحدة.
إذن، أستراليا حائرة بين الحليف الاميركي والصين الشريك التجاري، هذا ما بدا من الورقة البيضاء الخاصة بسياسة أستراليا الخارجية والدفاعية والتحديات المستقبلية التي صدرت الثلاثاء 23/11/2017 وهي المرة الاولى منذ 14 عاماً.
تتحدث الورقة بصراحة عن العزلة السياسية والحمائية الاقتصادية الوطنية، التي عادت الى الظهور في العديد من الدول، وجاء في الورقة ايضاً أن الدول القوية تتجاهل وتقوض القوانيين الدولية، وماذا يعني نمو النفوذ الصيني في جنوب شرق أسيا والمحيط الاسيوي، وتذكر الورقة ان المنطقة تتغير بشكل لم يسبق له مثيل وهذا ما يفرض على أستراليا أن تعمل أكثر لصياغة علاقات أفضل مع دول الجوار.
وزيرة الخارجية الاسترالية جوليا بيشوب اعتبرت أن على أستراليا زيادة تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة الاميركية ، وأضافت يجب أن نكون على أستعداد لدعم قيادة الولايات المتحدة بطريقة عملية تخدم مصالحنا.ولم يكن موقف وزيرة الدفاع مارين باين بعيدا عن هذا التوجه.
عن العولمة تتساءل الورقة الدفاعية عن فوائدها خصوصاً أن المجتمعات الغربية تعتقد أنها جاءت على حسابها بعد نقل المصانع الى الدول الاخرى.
عن أسيا جاء أن النمو الاسيوي سيؤمن لأستراليا فرص عديدة بحيث أن الطلب على المواد الأولية والطاقة والخدمات والمنتجات الزراعية الاسترالية سوف يزداد. وتدعو الورقة البيضاء بصورة واضحة الى تطوير العلاقات مع الدول الاسيوية التي تتقاسم مع استراليا نفس المفاهيم كالديمقراطية وتذكر بالاسم اليابان، أندونيسا، الهند وكوريا الجنوبية.
عن الصين تقول وزيرة الجارجية الاسترالية : سوف أعمل لأشجع الصين لأستعمال نفوذها المتنامي في اجل أستقرار المنطقة، وتوصي الورقة البيضاء بتقوية علاقات استراليا التجارية مع الصين الشريك التجاري ألأكبر لأستراليا من خلال توسيع التبادل التجاري واللقاءات السياسية وحتى التعاون الدفاعي.
تتحدث الورقة عن أن ألأستقرار في ألمنطقة يعتمد على كيفية إدارة الولايات المتحدة والصين العلاقات والتوتر بينهما بما فيه ألجانب التجاري والأقتصادي.
عن التحديات التي ستواجه أستراليا في ألعقد القادم تتوقع ألورقة زيادة التنافس حول قضايا ألمنطقة والتأثير ألذي سينعكس مباشرة على أستراليا، ويخلص معدو الورقة الى أن ألتجارة كانت في السابق تؤدي الى خفض نسبة التوتر بين الدول ولكن هناك خشية من أن تؤدي المنافسة التجارية الى ألعكس وزيادة نسبة التوتر.
تخصص الورقة جانباً مهماً من توصياتها عن التحديات التكنولوجية ألتي تواجه أستراليا والتي ستغير طبيعة ألوظائف ألموجودة حالياً في أستراليا خصوصاً مع تطور ألذكاء ألصناعي وأستعمال الربوت والبيوتكنولوجيا.
لم تتأخر الصين في ردها على الورقة البيضاء فقد "وبخت" الصين أستراليا وأعتبرت أن ألملاحظات حول بناء الجزر في بحر الصين الجنوبي غير مسؤولة، ودعى الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية لو غانغ الى وقف هذه التصريحات علماً أن أستراليا كانت تقول أنها لم تنحاز إلى أي طرف في النزاع كما قال غانغ.
وعن ما دعت أليه الورقة البيضاء يقول غانغ: إن بعض البيانات كانت سلبية خصوصاً أن الورقة تردد مسألة ألألتزام بالقوانيين الدولية، وهنا يجدد الناطق باسم الخارجية الصينية موقف بلاده قائلًاً: إن النظام العالمي الذي تتحدث عنه الورقة البيضاء معترف به من المجتمع ألدولي وليس ألذي يتم إملاءه من أي دولة.
وانتقد الدكتور شان هونغ مدير مركز الدراسات ألأسترالية في جامعة جنوب الصين بعض ما جاء في ألورقة البيضاء معتبراً إنه لم يشكل مفاجأة للصين لأن مزاج أستراليا الجديد كان يتخمر كل العام، ورحب بأن تنشط أستراليا وتلعب دور إيجابي في المنطقة سواء بدعم الولايات المتحدة وعدمه، ووصف موقف أستراليا من قضية الجزر المتنازع عليها في بحر ألصين ألجنوبي بالنفاق لأن لأستراليا سوابق في تجاهل حكم المحكمة الدولية مذكراً بالحكم الخاص بتيمور الذي رفضت أستراليا ألألتزام به.
تابع هونغ إن تصرفات أستراليا العام ألماضي أربكت أليصن، وأضاف أن العلاقات الصينية ألأسترالية الثنائية متطورة وليست حول ألتجارة فقط وليس حول الجشع أو الخوف ولكن بنيت على التفاهم المتبادل.
ووصفت صحيفة غلوبل تايم الصينية الورقة البيضاء "بدملوماسية الكنغارو".
في أستراليا، دعمت الناطقة باسم ألمعارضة العمالية للشؤون ألخارجية باني وونغ ما جاء في الورقة البيضاء، وحول العلاقة مع ألصين قالت وونغ: برأي يجب أن نستثمر في تحسين هذه ألعلاقة وأن نعمل سوياً مع ألصين قدر ألمستطاع، ولكن علينا أن ندافع عن مصالحنا وقيمنا.
المدير ألتنفيذي لمركز ألدراسات الأستراتيجي ألأسترالي بيتر جاننغ رحب بما جاء في الورقة الدفاعية حول التشديد على التعاون مع دول مثل اليابان، الهند، أندونيسيا وكوريا ألجنوبية.
إذن، ما هي الخطوات ألتي ستتخذه أستراليا ؟ وكيف ستوازن بين ألعلاقات مع ألصين والولايات ألمتحدة ألأميركية؟ علماً إنها ألمرة ألأولى التي تجد أستراليا نفسها في هذا ألموقع حيث كانت في السابق تعتمد على بريطانيا منذ تأسيس الفيدرالية، ثم على الولايات ألمتحدة منذ ألحرب ألعالمية الثانية حتى عهد ترامب الذي يدعو الى عزلة أميركا ويرفع شعار أميركا أولاً.
أعتقد، أن ألأمر سوف يتوقف على تطور ألأحداث في منطقة جنوب شرق أسيا وبحر ألصين الجنوبي، وأن الورقة البيضاء حددت ألأطر التي ستعمل عليها أستراليا، والتي ستبقى ألى جانب الولايات المتحدة أقله في المستقبل ألمنظور والمتوسط، وهذا ما يستشف من تصريحات وزيرتي الخارجية والدفاع ألأستراليتين.
أخيرأ، وفي شهر أيار من العام الحالي وحسب صحيفة ذي سدني مورننغ هيرالد (1/12/2017 ص 20) لاحظ رئيس أركان قوات الدفاع الاسترالية السابق كريس باري أن العالم يتجه الى مشاكل شبيها بالتي واجهها عام 1914، واستعرض التحديات بعد أنهيار الاتحاد السوفياتي والحد من قدرات طالبان في أفغانستان، والقضاء على دولة الخلافة الأسلامية في العراق وسوريا، معتبراً أنها لم تعد تشكل تحدي وجودي للنظام العالمي الذي يعتمد عليه نظامنا الدفاعي، وشدد على الاعتماد على سياسة دفاعية تقليدية والأنفاق على أسلحة الجو والبحرية والصواريخ الدفاعية والاجهزة الالكترونية.
واستبعدا نشوب حرب عالمية ثالثة بسبب حسابات اللعبة الاستراتيجية الدقيقة مع وجود بعض المخاطر لسؤ حساب مميت.
وانتقد باري تصرفات روسيا واعتمادها سياسية الكترونية عدوانية وحرب معلوماتية تستهدف بنى الطاقة التحتية في الولايات المتحدة الاميركية واوكرانيا.
ودعى باري أستراليا الى التصرف كقوة متوسطة في منطقة خطرة، ويضيف أنه قد يكون هذا االوقت الذي يجب أن نفكر ببناء شبكة صواريخ دفاعية، وحتى تزويد الغواصات الأسترالية بصواريخ نووية، لأن توازن القوى في المنطقة يتغير بسرعة، وإذا تراجع نفوذ الولايات المتحدة علينا بناء قدراتنا الذاتية للحفاظ على مصالحنا.
سدني
Email:abbasmorad@hotmail.com
0 comments:
إرسال تعليق