عُذراً يا والدي ... عذراً للمُطعم بن عدي وصحبه .... فالفلوجة تموت جوعاً/ زياد السبعاوي

أبتاه أو لستَ القائل : (مَحَّد يموت من الجوع ... ما من أحدٍ يموت جوعاً في العراق ) ...؟؟؟
عُذراً أبي هاهي فلوجة العز والصمود تموت جوعاً ... وهاهي تدفع ثمن صمودها الملحمي في قتال كل صنوف المحتلين الذين أذاقتهم الويل والثبور ومرارة الهزيمة كما هو الحال مع المحتل البريطاني عام 1941م ... ومن بعده المحتل الغازي الأميركي ولعل حادثة إسقاط  المروحية الشينوك في 2 آب 2003م  التي قُتل فيها 16 جندي أمريكي وجرح 26 ما تزال ماثلة في الأذهان ... الفلوجة شرارة المقاومة ومعقلها حيث ضحت الفلوجة بأول 17 شهيداً و 30 جريحاً من أبنائها في تظاهرة مناوئة للغزو الأميركي في نيسان 2003م ، إستمر هذا الصمود الملحمي حتى مُرغ كبرياء أميركا وخُيلائها بالتراب إضطُرت أن تتفاوض وتعقد معاهدة مع مدينة (الفلوجة) والمعاهدة في القانون الدولي : اتفاق استراتيجي سياسي أو عسكري دولي يعقد بالتراضي بين دولتين أو أكثر ، اتفاق أطرافه دولتان أو أكثر وموضوعه تنظيم علاقة من العلاقات التي يحكمها هذا القانون ، ويتضمن حقوقاً والتزامات تقع على عاتق أطرافه أو غيرها من أشخاص القانون الدولي ولنا أن نتصور الحالة التي جعلت أميركا تتمرد على كل القوانين وتعقد إتفاقية مع الفلوجة في حين أن المعاهدة أو الإتفاقية لا تكون إلا بين دولتين أو شخصيتين من شخصيات القانون الدولي أو أكثر ، فهل ستتخلى أميريكا وصنائعها عن ثأرها من الفلوجة ...؟؟؟!!!
مما لا يخفى أن الفلوجة البالغ  تعداد نفوسها 500 ألف نسمة أي أكثر من نصف مليون نسمة خرجت عن سيطرة الحكومة المركزية في الأشهر الأولى من سنة 2014م ليسيطر على المدينة تنظيم إرهابي متشدد متطرف ، في بادئ الأمر خرج قسم من أهلها وآثر القسم الآخر البقاء متيقنين أن الأمر لن يطول وخشية الإذلال والمعاناة جراء الهجرة وهم الذين جربوا النزوح أكثر من مرة خلال الصراع مع أميركا ( ومن خرج من داره قَلَّ مقداره ) دارت رحى الأيام وفُرض الحصار الخانق على المدينة وأهلها ... ومنع تنظيم داعش مغادرة أي فرد ومن يحاول الفرار أو الخروج من الفلوجة يكون عرضة للقتل بأعتبار الخارج من الفلوجة أو من أي مدينة أو قرية يسيطر عليها التنظيم هو فارٌ من ديار الإيمان إلى ديار الكفر (وهذا ما يراه تنظيم داعش) وبالفعل تم إعدام (35) فرداً بين رجلٍ وطفلٍ وإمرأة حاولوا الهرب ومغادرة الفلوجة نهاية شهر آذار مارس 2016م .
بناءاً على ما تقدم فالفلوجة تعيش حالة صراع داخلي ذو طابعٍ غير دولي طرفاه تنظيم داعش الذي استطاع السيطرة على 4 محافظات عراقية خلال 48 ساعة ولازال يقاوم ضد أكبر تحالف دولي وبين الحكومة المركزية وكافة حشودها ، وعليه   يجب أن يطبق عليها (البروتوكول) الثاني الإضافي لسنة 1977 الملحق إلى اتفاقيات جنيف  المعقودة في 12 آب / أغسطس 1949 م والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية ، حيث نصت المادة (13) منه والخاصة بحماية السكان المدنيين في فقراتها (1 ، 2 ، 3 ) على ما هو آت :
نصت الفقرة (1) من المادة (13)  من البروتوكول الثاني على ما يلي :
يتمتع السكان المدنيون والأشخاص المدنيون بحماية عامة من الأخطار الناجمة عن العمليات العسكرية ويجب لإضفاء فاعلية على هذه الحماية مراعاة القواعد التالية دوماً
ونصت الفقرة (2) من المادة (13) على :
لا يجوز أن يكون السكان المدنيون بوصفهم هذا ولا الأشخاص المدنيون محلاً للهجوم وتحظر أعمال العنف أو التهديد به الرامية أساساً إلى بث الذعر بين السكان المدنيين .
ونصت الفقرة (2) من المادة (13) على :
يتمتع الأشخاص المدنيون بالحماية التي يوفرها هذا الباب, ما لم يقوموا بدور مباشر في الأعمال العدائية وعلى مدى الوقت الذي يقومون خلاله بهذا الدور .
وها هي الفلوجة تُذبح من الوريد إلى الوريد حيث بلغ إجمالي الضحايا من المدنيين العُزّل إستناداً إلى
المصادر الطبية (مستشفى الفلوجة العام)  لغاية آذار 2016 جراء القصف منذ بداية الأحداث (5747 جريحاً بينهم 766 امرأة و 914 طفلاً ) ، أما حصيلة القتلى منذ بداية الأحداث بلغت  ( 3447 قتيلاً ، بينهم 322 امرأة و 517 طفلاً ) . 
وبالعودة إلى مواد البروتوكول الإضافي الثاني (الملحق) نصت المــادة (14) من البروتوكول  والمتعلقة بحماية الأعيان التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة على ما يلي :
يحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب القتال  ومن ثم يحظر, توصلاً لذلك, مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة ومثالها المواد الغذائية والمناطق الزراعية التي تنتجها والمحاصيل والماشية ومرافق مياه الشرب وشبكاتها وأشغال الري .
وها هي  حصيلة الضحايا الذين ماتوا جوعاً ( 200 شخصاً بين طفلٍ وشيخ ٍ وإمرأة ) فضلاً عن العوائل التي قضت إنتحاراً كل أفراد العائلة بسبب الجوع ، أحدى العوائل قضت بالإنتحار غرقاً بعد أن ربطت الأم جميع أطفالها بسلسلة وقذفت بنفسها وأطفالها في نهر الفرات بعد أن أعدم تنظيم داعش رب هذه العائلة ومعيلها ، ثم تبعتها أربعة عوائل واليوم لحق بالركب عائلة أخرى إنتحر جميع أفرادها بتناول سم الفئران ... 
ونصت الفقرة (1) من المادة ( 8 ) الخاصة بــــ ( جرائم الحرب ) من المــادة  نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد في روما في 17تموز/ يوليه  1998 م على ما يلي :
   
يكون للمحكمة (المحكمة الجنائية الدولية ) اختصاص فيما يتعلق بجرائم الحرب, ولاسيما عندما ترتكب في إطار خطة أو سياسة عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق لهذه الجرائم .
نصت الفقرة ( أ / 2 ) من المادة (الثامنة ) على ما يلي :
الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف المؤرخة 12 آب / أغسطس 1949 , أي فعل من الأفعال التالية ضد الأشخاص , أو الممتلكات الذين تحميهم أحكام اتفاقية جنيف ذات الصلة :
1. القتل العمد / 2. التعذيب أو المعاملة اللا إنسانية ... / 3.  تعمد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة / 4. إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات ....
نصت الفقرة ( ب / 2 ) من المادة (الثامنة ) من نظام روما الأساسي على ما يلي :
الانتهاكات الخطيرة الأخرى للقوانين والأعراف السارية على المنازعات الدولية المسلحة في النطاق الثابت للقانون الدولي , أي فعل من الأفعال التالية :
1. تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم هذه أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية .
2. تعمد توجيه هجمات ضد مواقع مدنية , أي المواقع التي لا تشكل أهدافاً عسكرية .
4. تعمد شن هجوم مع العلم بأن هذا الهجوم سيسفر عن خسائر تبعية في الأرواح أو عن إصابات بين المدنيين أو عن إلحاق أضرار مدنية أو إحداث ضرر واسع النطاق وطويل الأجل وشديد للبيئة الطبيعية يكون إفراطه واضحاً بالقياس إلى مجمل المكاسب العسكرية المتوقعة الملموسة المباشرة .
5. مهاجمة أو قصف المدن أو القرى أو المساكن أو المباني العزلاء التي لا تكون أهدافاً عسكرية بأية وسيلة كانت .
وبناءاً على ما تقدم فإذا إستمر الحال على ما هو عليه فإن الحكومة المركزية العراقية تكون قد إرتكبت جريمة حرب مكتملة الأركان بحق مواطنيها في الفلوجة إستناداً إلى ما أشرنا إليه . 
ولو تدبرنا صفحات التأريخ فمسألة الحصار ليست وليدة اليوم بل غائرة في القدم ، وأول ما يتبادر إلى الذهن شعب أبو طالب وما أداراك ما شعب أبي طالب ، وها هي الفلوجة ومن قبلها أختها مضايا وغزة واليمن و... وفي شعب أبي طالب إنبرى ثُلة من الشباب بدافع الغيرة والحمية فخطوا بأحرفٍ من نور أروع المواقف وهم : هشام بن عمرو من بني عامر بن لؤي و زهير بن أبي أمية المخزومي من بني مخزوم والمطعم بن عدي من بني نوفل وأبي البختري بن هشام وزمعة بن الأسود من بني أسد ولم يكن فيهم من دخل الإسلام بعد بل ومنهم من مات على الكفر ولكن هي النخوة والغيرة والحمية فهل عقمت أرحام النساء أن تلد مثل أؤلئك فينتخي لأهل الفلوجة ....؟؟؟!!!
وللأسف في خضم هذا المعترك الذي يعصف بالعراق بدأت الكثير من صفحات التواصل الإجتماعي (الفيس بوك)  تُعيد تداول إعدام الجندي الأسير الشهيد مصطفى العذاري (رحمه الله) لتغليظ القلوب وزرع الأحقاد والكراهية وتحميل الأوزار لأناس لا حول لهم ولا قوة علماً أن إعدام الأسير مخالفاً للشرائع السماوية التي تُحِّرم قتل الأسير وكذا هو الحال في المواثيق والإتفاقيات الدولية التي تمنع قتل الأسرى كما نصت على ذلك اتفاقية حنيف بشأن معاملة أسرى الحرب المؤرخة في 12 آب/أغسطس  1949 م :
حيث عرفت الفقرة ( 1 / أ ) من  ( المادة  4 ) أسرى الحرب بما يلي :
أسرى الحرب بالمعنى المقصود في هذه الاتفاقية هم الأشخاص الذين ينتمون إلي إحدى الفئات التالية ، ويقعون في قبضة العدو
أفراد القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع ، والمليشيات أو الوحدات المتطوعة التي تشكل جزءا من هذه القوات المسلحة .
ونصت الفقرة (ب ) من المادة (4) على ما يلي :
يعامل الأشخاص المذكورون فيما يلي بالمثل كأسرى حرب بمقتضى هذه الاتفاقية .
وأوجبت المادة (5) من إتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب :
تنطبق هذه الاتفاقية على الأشخاص المشار إليهم في المادة ( 4 ) ابتداءاً من وقوعهم في يد العدو إلى أن يتم الإفراج عنهم وإعادتهم إلى الوطن بصورة نهائية .
نصت المادة ( 7 ) من إتفاقية جنيف بشأن :
لا يجوز لأسرى الحرب التنازل في أي حال من الأحوال، جزئيا أو كلية عن الحقوق الممنوحة لهم بمقتضى الاتفاقية، أو بمقتضى الاتفاقات الخاصة المشار إليها في المادة السابقة .
ولكن الإشكالية أن الصراع مع خصمٍ كــــ (داعش) لا يعتبر بكل ما ذكرناه آنفاً ، لذا فمن الإجحاف أن ننظر إلى أكثر من (150) ألف نسمة وهم أهل الفلوجة الذين لم يتمكنوا من مغادرتها بإعتبارهم قتلة الشهيد العذاري أو تحميلهم وزر ذلك و (أهل الفلوجة)  بطبيعة الحال أسرى تنظيم داعش وقد أدرك الجميع أن هذا التنظيم ينظر أو يتعامل مع من لا يؤمن بفكره أو يدور في فلكه بإعتباره خارجٌ عليه مباح دمه ، لذا ينبغي ( وهنا نقتبس نص ما أشار إليه الناشط الحقوقي خالد علي الجياشي ) رئيس منظمة (هنا السلام) : علينا أن نكون أكثر وطنيةً وحرصاً على أرضنا وشعبنا وأن نضع في حساباتنا أن أمريكا التي سلمت حكم العراق إلى الحاقدين من الشيعة  على السًنّة ، غداً ستمنح وتعطي قيادة حكم العراق للحاقدين من المناطق الغربية ( أي من السُنّة) حتى ينشروا ثقافة الانتقام من أهل الجنوب شركاء الوطن والقومية والقبيلة والعشيرة  والدين واللغة ... لنتقي الله في أنفسنا ووطننا ... ولندعو ونبتهل إلى الله أن يٌنفس الكرب ويعجل بالفرج على أهل الفلوجة ....
اللهم إحفظ الفلوجة وأهلها الطيبين 
اللهم إحفظ العراق وأهل العراق من أدناه إلى أقصاه 


CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق