تعتبر الرواية الجنس الأدبي الجامع لرسم صورة الإنسان وما يحيط به، نظرا لحجمها وتمتعها بإمكانية السرد والوصف والتحليل، ولكن هذه الصورة التي ترتسم، ليست هي الواقع دائما بعينه، وهذا ما يعكسه الخيال العلمي الذي يعالج التطورات التي تحدث في حياة الفرد وما يمكن أن يحدث له ولمجتمعه في المستقبل القريب أو البعيد من منطلق الكتابة التخيلية كما هو شأن رواية "أعشقني" للمبدعة الأردنية سناء شعلان.
لقد برز مصطلح الخيال العلمي في العديد من الأعمال الأدبية كروايات الأديب الفرنسي جول فيرن والأديب الانجليزي هربرت جورج ويلز، وقد تطور هذا النوع الأدبي وكثر رواده حتى انقسم إلى جزئين: جزء يعالج هموم الإنسان كالحصار الذي تفرضه عليه الأنظمة السياسية المتسلطة، وجزء آخر فانتازي يهتم بعالم المغامرات والمبالغات وشطحات الخرافة بقصد الدهشة والتشويق والإمتاع وهو الذي اختارته شعلان في روايتها.
يتعرض بطل "أعشقني" المدعو باسل المهري لحادث إرهابي يفقده جسده، فيعرض عليه الأطباء جسد امرأة قد فارقت روحها الحياة في زنزانة قذرة، كما جاء على لسان الراوي: "فاتني أن أسأل عن اسمها، ومن يهمه أن يعرف اسمها الآن؟ فقط هي رغبة الحياة والفرار من الموت من تهصر لحظاتي بيديها الجبارتين المنفلتتين في العدم، والعابثتين بالخراب، وتنفتح بفيه أحمق على أسئلة الوجود والعدم كلها." (ص 19).
يحاور البطل نفسه حول فرضية قبول شمس أن يحتفظ بجسدها لزمن طويل وهي المضحية والصابرة والمنتظرة لحبيبها والمخلصة له، كما نستشف ذلك في المشهد السردي الآتي: "ومن يدري ربما كان هذا الأمر سيسعدها، وسيتناسب مع نسق مثالياتها وأفكارها الرومانسية المغرقة في إنسانيتها المقرفة ويتواطأ معها، لتبرهن للمجرة كلها على أن ثورتها كانت صادقة وقابلة لتجاوز العثرات والأسئلة والمزالق والتشكيكات والأزمات كلها، وبذا تخلص إلى لقب النبية بكل استحقاق وجدارة، فمن سيكون غيرها عندئذ حريا بهذا اللقب؟ وهي من تهب عدوا من ألذ أعدائها جسدها راضية مرضية، وإن كان في زمرة من ساهموا في ملاحقتها وسجنها وقتلها بمعنى من المعاني مادام هو ضمن جنود حكومة المجرة، وواحد من أبرز رجالاتها وزعاماتها وقوادها." (ص 24).
يستيقظ المهري من ضياع ونسيان يجتاح ذاكرته ليجد فريقا من الأطباء والممرضون يهنئه على نجاح عملية نقل دماغه إلى جسد شمس النبية: "يغرق الجميع في صخب وتصفيق حار، تنهال عليه كلمات المباركة والتشجيع، أما هو فيبحث دون جدوى عن فسحة بين الأجساد المتراصة ليرى الساعة من جديد." (ص 33).
يشعر البطل بإهانة وسخط شديد بعد فقدانه لعضوه الذكري حتى أنه أصبح جاحدا للطب الذي أنقذه من الموت، وهذا المثال قد جعل الروائية مفرطة في تخيلها، لتدخل القارئ إلى عوالم لم يشاهدها بشر رغم عمليات التحويل الجنسي التي يشهدها عصر السرعة اليوم: "استعرض جسده بنظرات فضولية مستنكرة، لم يأبه بانتصابه عاريا أمام عيون عشرات من الأطباء الحاضرين والممرضات وشاشات المراقبة والرصد والتصوير، ولا أبه باكتشافه باللمس العميق لأعضائه، ولا خجل من تحسسه بدهشة مفجوعة لفجوات جسده وانحناءاته ونتوءاته وبروزاته، فهو يعرض جسدا ليس جسده، ويزدري أعضاء ليست أعضاءه، ويعري ذاتا لا تنطوي على ذاته بأي شكل من الأشكال." (ص 38).
قسمت شعلان روايتها إلى ثمانية فصول على شكل أبعاد، فالبعد الأول –الطول- جعلته امتدادا لجسد بطلتها شمس الذي تسكنه الآمال، والذي يعتبر في نفس الوقت طوق نجاة من الموت لبطلها باسل المهري.
جعلت الزمن بعدها الثاني والذي يجعل المفاهيم والنظريات التي تتحكم في تغير ذلك الجسد، أما البعد الثالث –الارتفاع- فكان أقرب مسافة نحو الألم في حياة البطل حين يكتشف أن شمس كانت حاملا قبل وفاتها: "يطالع باسل وجه كبير الأطباء، يكاد يتنزى من بين شفتيه سؤال يقول: متى بالتحديد سأشفى من مرض الحمل؟ لكنه يمتص سؤاله بقلق لا يفهمه، وعزيمة غير قادرة على انتظار أي إجابات أو وعود، فيتلاشى السؤال، وتضيع حروفه وأصواته، ويبتلعه من جديد، يشيح برأسه نحو الممرضة ذات الابتسامة الوظيفية المتقنة، ويقول لها بنبرة يخفق في أن تكون آمرة، بل تخلص بقوة للتوسل والتمني: أريد مرآة، أريد أن أرى كيف يبدو وجهي الجديد." (ص 50).
جاء العرض بعدا رابعا في رواية شعلان، حيث لا يتجاوز مساحة الكون لعرض أحزان باسل الذي ظل يرفض حالته الجسدية الجديدة، حتى أن فكرة الانتحار قد راودت تفكيره: "...لعلي أريد أن أنتقم بشكل سري من هذه التجربة السخيفة التي حولتني إلى شبه إنسان، وشبه جسد، وشبه عقل، وشبه حالة، قد يكون من الأجدر أن أحسن الانتقام من جلادي الأطباء والمخابرات والمجلس القضائي الكوني الأعلى والمهتمين والإعلاميين وكل من لا أعرف ولا يعرفني من بشر فضلا عن الذين أعرفهم أجمعين، فأنتحر، وأحبط لهم كل خططهم، وأهزم للأبد هذه التجربة المؤلمة المهزلة، هذه فكرة جريئة واقتراح موغل في الشجاعة، ولكن من قال إنني أملك الشجاعة العملية الكاملة لأنفذ هذا الانتحار؟!" (ص 54).
ترتكز رواية "أعشقني" على الحب وهو البعد الخامس الذي ركزت عليه الفصول اللاحقة للرواية، لأن بطلة شعلان ترى أنه –بمعنى الحب- الوحيد القادر على تغيير حقائق الأشياء وقوانين الطبيعة، كما كتبت ذلك في الحزمة الضوئية التي وقعت في أيادي المهري: "...وحده الحب هو الكفيل بإحياء هذا الموات، وبعث الجمال في هذا الخراب الإلكتروني البشع، وحده القادر على خلق عالم جديد يعرف معنى نبض قلب، وفلسفة انعتاق لحظة، أنا كافرة بكل الأبعاد خلا هذا البعد الخامس الجميل، أنا نبية هذا العصر الإلكتروني المقيت، فهل من مؤمنين؟ لأكون وخالد وجنيننا القادم المؤمنين الشجعان في هذا البعد الجميل." (ص 66).
الفصل السادس جاء مناقشا لنظرية "طاقة البعد الخامس" التي نكتشف خباياها من خلال رسائل خالد، والتي يتكرر ظهورها على مدار صفحات الرواية ونحن في الألفية الثالثة تحديدا سنة 3010: "حبيبتي ورد، البشر أنواع، جلهم مخلوق من خليط الشر والخير، وقليل فقط مخلوقون من الحروف والكلمات، أي أنهم كائنات لغوية، خالد وأنا مخلوقان من الكلمة، لا يمكن أن تفهمينا أو أن تكونينا أو تغادرينا دون الكلمة، كلانا يقدس الكلمة، ومن هنا جاء تقديسنا لله وللحياة والبشرية ولذواتنا، ولهذا السبب ذاته صنعناك، وبهذه المعرفة اكتشفنا الكون، وصغنا وجوده في نظريتنا في البعد الخامس." (ص-ص 83-84).
تواصل المبدعة شعلان تحليل معادلة نظرية طاقة البعد الخامس في الفصل السابع، حتى أنها تسرد لنا ما وقع لبطلتها شمس التي تمردت على قوانين المجرة لتجد نفسها سجينة في نهاية المطاف: "ولك أن تتخيلي كم عنفت، وضربت، وعوقبت، وأضطهدت، وغرمت، ثم جرمت أخيرا عندما بلغت سن الحادية والعشرين، وهو سن الرشد في المجرة، وأخيرا قادني شعري الطويل الجامح كنجمة إلى المحكمة بصفتي متمردة صغيرة، وعاصية حمقاء، ومواطنة عنيدة تتمسك بمخالفة القانون، ومعاندة الدولة من أجل شعر أسود طويل لا قيمة له، سوى ذلك الافتنان الجميل به والنشوة الحلوة التي تسكن في نفس كل من يراه يتطاير بزهو في الهواء، ويتمايل بحركة غنجاء مائعة متهادية مع كل حركة أقوم بها." (ص 113).
ما أجمل الفصل الأخير لرواية شعلان لكونه يحمل كثيرا من الدهشة للمتلقي، حيث تحاول البطلة إيصال رسائل مشفرة لحبيبتها ورد من خلال حديثها عن علاقة الإنسان بخالقه، كما نقرأ ذلك في المشهد السردي الموالي: "الله يا ورد هو تلك الطاقة اللامتناهية من الحب والخير والنماء والعطاء والعفو والوهب والإبداع، هو اختزال لكل ما لا يمكن أن يختزل، هو الأسئلة والإجابات في آن، ولذلك آمنت به، وبحثت عنه، ووجدته في داخلي، وفي دواخل البشر أجمعين وفي امتداد كل جمال مكتنفا كل أفق ودرب ومسير." (ص 164).
كما تتحدث أيضا عن علاقة الإنسان بالإنسان، وكذا علاقة الإنسان بالموت وهذا من خلال حديث البطلة شمس عن حبيبها خالد، كما جاء على لسان السارد: "يتحدث خالد كثيرا عن الموت، ويخط الوصايا المتكررة، لكنني على عكسه أهزأ من الموت، وأستخف بسلطانه، ولا مانع عندي في أن أسير معه إلى العدم، فأنا امرأة الحياة لا الموت، لكن شعور الأمومة يغير المرأة، يعيد بناء تضاريسها، لتصبح أكثر سخاء وبهاء وحكمة، ولذلك أخشى أن أتركك أو تتركيني دون أن أوصيك، ولكنني في الآن ذاته لا أجيد كتابة الموت، ورسم خرائطه وأشكال مدائنه وحدود جحيمه." (ص 169).
الشيء المدهش في رواية "أعشقني" إجمالا أنها تربط النفس البشرية –الروح- بالحياة التي يرفض الإنسان أن يتركها مستسلما للموت، رغم جدلية الاغتراب والحب التي تظل ملازمة له طيلة عمره، وكل هذا جاء بأسلوب المبدعة سناء شعلان الذي لا يخلو من البلاغة والعمق والرمزية والواقعية والرومانسية المفرطة في آن واحد.
المصدر
(1) سناء شعلان: أعشقني ، دار الوراق للنشر والتوزيع، الأردن، عمان، ط2، 2014.
*كاتب وناقد جزائري
لقد برز مصطلح الخيال العلمي في العديد من الأعمال الأدبية كروايات الأديب الفرنسي جول فيرن والأديب الانجليزي هربرت جورج ويلز، وقد تطور هذا النوع الأدبي وكثر رواده حتى انقسم إلى جزئين: جزء يعالج هموم الإنسان كالحصار الذي تفرضه عليه الأنظمة السياسية المتسلطة، وجزء آخر فانتازي يهتم بعالم المغامرات والمبالغات وشطحات الخرافة بقصد الدهشة والتشويق والإمتاع وهو الذي اختارته شعلان في روايتها.
يتعرض بطل "أعشقني" المدعو باسل المهري لحادث إرهابي يفقده جسده، فيعرض عليه الأطباء جسد امرأة قد فارقت روحها الحياة في زنزانة قذرة، كما جاء على لسان الراوي: "فاتني أن أسأل عن اسمها، ومن يهمه أن يعرف اسمها الآن؟ فقط هي رغبة الحياة والفرار من الموت من تهصر لحظاتي بيديها الجبارتين المنفلتتين في العدم، والعابثتين بالخراب، وتنفتح بفيه أحمق على أسئلة الوجود والعدم كلها." (ص 19).
يحاور البطل نفسه حول فرضية قبول شمس أن يحتفظ بجسدها لزمن طويل وهي المضحية والصابرة والمنتظرة لحبيبها والمخلصة له، كما نستشف ذلك في المشهد السردي الآتي: "ومن يدري ربما كان هذا الأمر سيسعدها، وسيتناسب مع نسق مثالياتها وأفكارها الرومانسية المغرقة في إنسانيتها المقرفة ويتواطأ معها، لتبرهن للمجرة كلها على أن ثورتها كانت صادقة وقابلة لتجاوز العثرات والأسئلة والمزالق والتشكيكات والأزمات كلها، وبذا تخلص إلى لقب النبية بكل استحقاق وجدارة، فمن سيكون غيرها عندئذ حريا بهذا اللقب؟ وهي من تهب عدوا من ألذ أعدائها جسدها راضية مرضية، وإن كان في زمرة من ساهموا في ملاحقتها وسجنها وقتلها بمعنى من المعاني مادام هو ضمن جنود حكومة المجرة، وواحد من أبرز رجالاتها وزعاماتها وقوادها." (ص 24).
يستيقظ المهري من ضياع ونسيان يجتاح ذاكرته ليجد فريقا من الأطباء والممرضون يهنئه على نجاح عملية نقل دماغه إلى جسد شمس النبية: "يغرق الجميع في صخب وتصفيق حار، تنهال عليه كلمات المباركة والتشجيع، أما هو فيبحث دون جدوى عن فسحة بين الأجساد المتراصة ليرى الساعة من جديد." (ص 33).
يشعر البطل بإهانة وسخط شديد بعد فقدانه لعضوه الذكري حتى أنه أصبح جاحدا للطب الذي أنقذه من الموت، وهذا المثال قد جعل الروائية مفرطة في تخيلها، لتدخل القارئ إلى عوالم لم يشاهدها بشر رغم عمليات التحويل الجنسي التي يشهدها عصر السرعة اليوم: "استعرض جسده بنظرات فضولية مستنكرة، لم يأبه بانتصابه عاريا أمام عيون عشرات من الأطباء الحاضرين والممرضات وشاشات المراقبة والرصد والتصوير، ولا أبه باكتشافه باللمس العميق لأعضائه، ولا خجل من تحسسه بدهشة مفجوعة لفجوات جسده وانحناءاته ونتوءاته وبروزاته، فهو يعرض جسدا ليس جسده، ويزدري أعضاء ليست أعضاءه، ويعري ذاتا لا تنطوي على ذاته بأي شكل من الأشكال." (ص 38).
قسمت شعلان روايتها إلى ثمانية فصول على شكل أبعاد، فالبعد الأول –الطول- جعلته امتدادا لجسد بطلتها شمس الذي تسكنه الآمال، والذي يعتبر في نفس الوقت طوق نجاة من الموت لبطلها باسل المهري.
جعلت الزمن بعدها الثاني والذي يجعل المفاهيم والنظريات التي تتحكم في تغير ذلك الجسد، أما البعد الثالث –الارتفاع- فكان أقرب مسافة نحو الألم في حياة البطل حين يكتشف أن شمس كانت حاملا قبل وفاتها: "يطالع باسل وجه كبير الأطباء، يكاد يتنزى من بين شفتيه سؤال يقول: متى بالتحديد سأشفى من مرض الحمل؟ لكنه يمتص سؤاله بقلق لا يفهمه، وعزيمة غير قادرة على انتظار أي إجابات أو وعود، فيتلاشى السؤال، وتضيع حروفه وأصواته، ويبتلعه من جديد، يشيح برأسه نحو الممرضة ذات الابتسامة الوظيفية المتقنة، ويقول لها بنبرة يخفق في أن تكون آمرة، بل تخلص بقوة للتوسل والتمني: أريد مرآة، أريد أن أرى كيف يبدو وجهي الجديد." (ص 50).
جاء العرض بعدا رابعا في رواية شعلان، حيث لا يتجاوز مساحة الكون لعرض أحزان باسل الذي ظل يرفض حالته الجسدية الجديدة، حتى أن فكرة الانتحار قد راودت تفكيره: "...لعلي أريد أن أنتقم بشكل سري من هذه التجربة السخيفة التي حولتني إلى شبه إنسان، وشبه جسد، وشبه عقل، وشبه حالة، قد يكون من الأجدر أن أحسن الانتقام من جلادي الأطباء والمخابرات والمجلس القضائي الكوني الأعلى والمهتمين والإعلاميين وكل من لا أعرف ولا يعرفني من بشر فضلا عن الذين أعرفهم أجمعين، فأنتحر، وأحبط لهم كل خططهم، وأهزم للأبد هذه التجربة المؤلمة المهزلة، هذه فكرة جريئة واقتراح موغل في الشجاعة، ولكن من قال إنني أملك الشجاعة العملية الكاملة لأنفذ هذا الانتحار؟!" (ص 54).
ترتكز رواية "أعشقني" على الحب وهو البعد الخامس الذي ركزت عليه الفصول اللاحقة للرواية، لأن بطلة شعلان ترى أنه –بمعنى الحب- الوحيد القادر على تغيير حقائق الأشياء وقوانين الطبيعة، كما كتبت ذلك في الحزمة الضوئية التي وقعت في أيادي المهري: "...وحده الحب هو الكفيل بإحياء هذا الموات، وبعث الجمال في هذا الخراب الإلكتروني البشع، وحده القادر على خلق عالم جديد يعرف معنى نبض قلب، وفلسفة انعتاق لحظة، أنا كافرة بكل الأبعاد خلا هذا البعد الخامس الجميل، أنا نبية هذا العصر الإلكتروني المقيت، فهل من مؤمنين؟ لأكون وخالد وجنيننا القادم المؤمنين الشجعان في هذا البعد الجميل." (ص 66).
الفصل السادس جاء مناقشا لنظرية "طاقة البعد الخامس" التي نكتشف خباياها من خلال رسائل خالد، والتي يتكرر ظهورها على مدار صفحات الرواية ونحن في الألفية الثالثة تحديدا سنة 3010: "حبيبتي ورد، البشر أنواع، جلهم مخلوق من خليط الشر والخير، وقليل فقط مخلوقون من الحروف والكلمات، أي أنهم كائنات لغوية، خالد وأنا مخلوقان من الكلمة، لا يمكن أن تفهمينا أو أن تكونينا أو تغادرينا دون الكلمة، كلانا يقدس الكلمة، ومن هنا جاء تقديسنا لله وللحياة والبشرية ولذواتنا، ولهذا السبب ذاته صنعناك، وبهذه المعرفة اكتشفنا الكون، وصغنا وجوده في نظريتنا في البعد الخامس." (ص-ص 83-84).
تواصل المبدعة شعلان تحليل معادلة نظرية طاقة البعد الخامس في الفصل السابع، حتى أنها تسرد لنا ما وقع لبطلتها شمس التي تمردت على قوانين المجرة لتجد نفسها سجينة في نهاية المطاف: "ولك أن تتخيلي كم عنفت، وضربت، وعوقبت، وأضطهدت، وغرمت، ثم جرمت أخيرا عندما بلغت سن الحادية والعشرين، وهو سن الرشد في المجرة، وأخيرا قادني شعري الطويل الجامح كنجمة إلى المحكمة بصفتي متمردة صغيرة، وعاصية حمقاء، ومواطنة عنيدة تتمسك بمخالفة القانون، ومعاندة الدولة من أجل شعر أسود طويل لا قيمة له، سوى ذلك الافتنان الجميل به والنشوة الحلوة التي تسكن في نفس كل من يراه يتطاير بزهو في الهواء، ويتمايل بحركة غنجاء مائعة متهادية مع كل حركة أقوم بها." (ص 113).
ما أجمل الفصل الأخير لرواية شعلان لكونه يحمل كثيرا من الدهشة للمتلقي، حيث تحاول البطلة إيصال رسائل مشفرة لحبيبتها ورد من خلال حديثها عن علاقة الإنسان بخالقه، كما نقرأ ذلك في المشهد السردي الموالي: "الله يا ورد هو تلك الطاقة اللامتناهية من الحب والخير والنماء والعطاء والعفو والوهب والإبداع، هو اختزال لكل ما لا يمكن أن يختزل، هو الأسئلة والإجابات في آن، ولذلك آمنت به، وبحثت عنه، ووجدته في داخلي، وفي دواخل البشر أجمعين وفي امتداد كل جمال مكتنفا كل أفق ودرب ومسير." (ص 164).
كما تتحدث أيضا عن علاقة الإنسان بالإنسان، وكذا علاقة الإنسان بالموت وهذا من خلال حديث البطلة شمس عن حبيبها خالد، كما جاء على لسان السارد: "يتحدث خالد كثيرا عن الموت، ويخط الوصايا المتكررة، لكنني على عكسه أهزأ من الموت، وأستخف بسلطانه، ولا مانع عندي في أن أسير معه إلى العدم، فأنا امرأة الحياة لا الموت، لكن شعور الأمومة يغير المرأة، يعيد بناء تضاريسها، لتصبح أكثر سخاء وبهاء وحكمة، ولذلك أخشى أن أتركك أو تتركيني دون أن أوصيك، ولكنني في الآن ذاته لا أجيد كتابة الموت، ورسم خرائطه وأشكال مدائنه وحدود جحيمه." (ص 169).
الشيء المدهش في رواية "أعشقني" إجمالا أنها تربط النفس البشرية –الروح- بالحياة التي يرفض الإنسان أن يتركها مستسلما للموت، رغم جدلية الاغتراب والحب التي تظل ملازمة له طيلة عمره، وكل هذا جاء بأسلوب المبدعة سناء شعلان الذي لا يخلو من البلاغة والعمق والرمزية والواقعية والرومانسية المفرطة في آن واحد.
المصدر
(1) سناء شعلان: أعشقني ، دار الوراق للنشر والتوزيع، الأردن، عمان، ط2، 2014.
*كاتب وناقد جزائري
0 comments:
إرسال تعليق