1 - شبكات التواصل الاجتماعي وعجائبها .
2 - مقولة العالم الدكتور أحمد زكي بمجلته ( العربي) .
3 - مقولة وشعر الشيخ الدكتور أحمد الوائلي .
4 - الوائلي يجرّني للجواهري وقصيدته ( طرطرا) .
5 - فذلكة الأقوال إيجازاً .
6 - مؤتمر أهل السنة والجماعة الذي انعقد - هذه الأيام - في العاصمة الشيشانية غروزني .
7 - دعوة لدواعٍ إنسانية وإسلامية وعربية ووطنية ... وظني من المحال أن تستجاب ...!!
1 - من نِعم شبكات التواصل الاجتماعي بشتى ألوانها وأنواعها المقروءة والمسموعة والمرئية تجمع كلّ أجناس الناس من بلدان متابينة ، وأوطان متباعدة ، ومدن متقاربة ، ومن الجنسين ، ومن عراق الفراتين ، تريك العراقيَّ في الحالتين ، يسرف في شحّه والندى...!!
أقول تجمع هذه الشبكات أطياف المجتمع العراقي - والعربي - أفراداً، مختلفي الثقافات والمستوى العلمي و الأكاديمي ، ومن أعمارٍ متباينة ، فتجد بينهم الشعراء والكتاب والأكاديميين ، والظاهرة الطائفية المقيتة الخطيرة ، مرتسمة في عقول ونفوس معظهم ، إن لم أقل جميعهم إلّا ما ندر .
والإنسان مهما بلغ من الرقي ، وكبر استيعاب تفهمه لطبيعة البشر ، ومدى تشابك روابط علاقاته الاجتماعية ...ينجذب بقوة للبيئة التي تربّى فيها ، ونشأ منها ، وهذا ما ندعوه بالأصالة ، ولكن العجيب الغريب المدهش عندما يريد منك أن تكون على مذهبه أو دينه ، أو معتقده ، أو بالأحرى تنقلب رأساً على عقب ، أو عقباً على رأس ، لينفي عنك صفة التعصب الأعمى ، ويرضى بك إنساناً عظيما واعياً عاقلاً... ولشدّ ما يؤلمني ويؤسفني أن من يحمل راية الشعر البديع ، والعلم الرفيع ، والدرجات الأكاديمية العليا ، يسفّ هذا الإسفاف الخطير في زمن رديء حتى الخساسة لتكريس هذه المفاهيم المسمومة القاتلة حتى الوباء الكاسح ، وبتحريك من أصابع داخلية مصلحية مرتزقة ، وخارجية معادية هادمة....وكلّما تريد أن تتودّد باحترام وإجلال لتفهم معاناته ومظلومية جمعه ، وهي لاريب جزء لا تتجزأ من مظلومية الشعب العراقي بأكمله ، وذلك لوضع يدك بيده للرقي الفكري والتقارب المذهبي أو الديني للاندماج والذوبان في بوتقة ( بودقة) الوطن الحبيب ، والعراق العريق ، رماك بالضعف والمجاملة والمحاباة ، أو لغاية في نفس يعقوب ، وفقاً لنظرية المؤامرة المزعومة ... وأنا في هذه المعمعة العجيبة الخطيرة ، وأمام مسؤوليتي المتواضعة ككاتب وشاعر - على حدّ زعمي - تذكرت ما سيأتيك ، وقلت مع نفسي لتكن مقالة هذا الأسبوع عن الطائفية ، هذا الداء الوباء الكاسح الذي لم يُبقِ ، ولم يذرِ !! ، والله من وراء القصد ، ومن بعد الله مصلحة شعبنا الحبيب وأمتنا المظلومة ، لا عداوات ، ولا محاباة ، ولا ولاءات ولا بغضاء ، ولا هم يحزنون...!!!
2 - كنت منذ عهد الصبا قد فتحت عيني على مجلة ( العربي ) الكويتية ، وقد واكبتها من العدد الأول - وربما قبلها صدر العدد : صفر ، لا أتذكر الآن - وذلك أواخر عام 1958 م ، وبالتحديد كانونه الأول ، وما فاتني من أعدادها عدد - إلا نادراً - حتى غزو العراق للكويت عام 1990 م ، ثم صدرت مرة ثانية وواصلت مشوارها ، وافترقنا بسبب هجرتي لأقصى غرب الدنيا الأمريكية .
والحق تأثرت بجاذبية قوية لمقالات ، وأحاديث شهر ، وعزيز قارئ رئيس تحريرها الأول العالم الدكتور أحمد زكي عاكف ( 1894- 1975م)، لغزارة علمه ، وسهولة كتاباته الممتنعة ، فالرجل عبقري في موهبته الأدبية ، وقد نال دكتوراه الفلسفة في الكيمياء من جامعة ليفربول عام 1924 م ، ومن ثم حصل على درجة دكتوراه في العلوم من جامعة لندن 1928م، وهي أرفع الدرجات العلمية التي تمنحها الجامعات ، ولقد تبوأ منصب رئيس جامعة القاهرة في عهد عبد الناصر حتى تقاعده ، فاحتل رئاسة تحرير المجلة العربية الرائدة بطلب من الحكومة الكويتية ، ووزارة إعلامها .
هذا ! ولا أنسى مقالات الدكتور العميد طه حسين ، والأستاذ العقاد الكبير، الروائي النوبلي نجيب محفوظ ، الشاعر نزار قباني، السفير د. عبد الهادي التازي، الباحث الشهير د. إحسان عباس، يوسف إدريس، الدكتور محمود السمرة ، الناقد المعروف جابر عصفور ....
إلى أين أريد أن أصل معك ؟!!
في أحد أحاديثه الشهرية كتب منوهاً للطائفية المقيتة قائلاً ما معناه ، وربما نصّه نفسه : ينسى وليد القيروان ما يكون مذهبه لو ولد في النجف ، وينسى وليد النجف ما سيكون مذهبه لو ولد في دمشق ...!!
تعلمت منه الدرس الثمين ، ولم أنساه ، وبقى عالقاّ بذهني ، وأردده حتى كبرت ...!! لعظمة القول ، وكبر قائله ....
3 - ومن ثم ومن بعد وبعد سمعت القول نفسه من تسجيل للشيخ الخطيب الدكتور أحمد الوائلي ( 1928 - 2003 م) ، ولا أدري من باب توارد الخواطر ، أو قد قرأه على صفحات المجلة المذكورة ، وشيخنا حصل على شهادة الدكتوراه من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة عن اطروحته (استغلال الأجير وموقف الإسلام منه) سنة 1972 م .
وربما من المفارقات التي لا تقنع الوجه الآخر حين أتكلم عن قطب مذهبي لإثبات حجتي لمقت الطائفية ، وأنا أريد القول لا القائل ، ثم من قال لك لا تتمذهب ، ولا تدافع عن وجهة نظر مذهبك ، وتستميت دفاعا ، ولكن عليك وعليّ أن تحترم وجهة النظر الأخرى ،بل وتستميت في سبيل أن يدافع أي إنسان عن حرية فكره ومعتقده ، ولو كنّا نقيضين تماما ، فالحياة تتسع وتتسع ، واختلاف أمتي رحمة ، إن صح الحديث ، فلا حديث ، وإن لم يصح ، فالرحمة من أسماء الله الحسنى ، وإن لم تكن رحمانا ، ولن تكون ، اللهم رحماك يا ربّ الأرباب..!! نسيت أن أقول لك ، من قال إن الدكتور أحمد زكي ، لم يكن قطباً للوجه المذهبي الآخر؟!!
أنا سأأخذ بالقولين والقائلين ، لأنني أنا عربي مسلم فقط ، لذلك تجنبت ذكر المذاهب وتخصيصها ، وعليك لزاماً أن تأخذ بقوليهما ، أو قول أحدهما ، ولك الخيار ...!!
ثم ألم تقرأ قول الإمام الشافعي المتوفي 204 هـ / 820 م - تمعن بالتاريخ - ( رحمه الله) الشهير الذي يستحق الإجلال والتمجيد ، في كيفية احترام الرأي الآخر ، والانفتاح الفكري ، بقوله :
" رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب"
نرجع للشيخ الوائلي ، والحق أن ما كرره من قول ،كان قد سبقه إليه الدتور أحمد زكي ، قد ضمنه من قبلُ في قصيدته الرائعة ( رسالة الشعر) التي ألقاها في قاعة الشعب عام 1965م ، ونقتطع منها الأبيات :
فالمَجْدُ يَحْتَقِرُ الجبانَ لأنَّــــهُ ****شَرِبَ الصَّدى، وعلى يَدَيْهِ المِنْبِعُ
أَكْبِرْتُ دَوْرَ الشِّعرِ عَمّا صَوَّرُوا **وَعَرِفْتُ رُزْءَ الفِكْرِ في مَنْ لَمْ يَعُوُا
أَنا لا أُرِيدُ الشِّـــــعرَ إِنْ جَدَّتْ بِنا *****نُـوَبٌ ، يُخَلِّي ما عَنَاهُ وَيَقْبَعُ
بغدادُ يا زَهْوَ الرَّبيعِ علــــى الرُّبَى ****بِالعِطْرِ تَعْــبَقُ وَالسَنى تَتَلَفَّعُ
يا أَلْفَ لَيلَةٍ ما تَزالُ طِيُوفِـــــها *****سَمَراً علـى شِطْئانَ دِجْلَةِ يُمْتِعُ
بغدادُ يَوْمُكِ لا يـــــــزالُ كأَمسِهِ ****صِوَرٌ علــى طَرَفَي نَقِيضٍ تُجْمَعُ
يَطغى النَّعِيمُ بِجانِبٍ وبجــــــانبٍ *****يَطْغَى الشَّــقا فَمُرَفَّـــهٌ وَمُضَيَّعُ
في القَصْرِ أُغْنِيَةٌ على شَفَةِ الهَوَى ***والكُوُخِ دَمْعٌ في المَحَاِجِر يَلْذَعُ
وَيَدٌ تُكَبَّلُ وَهِــــيَ مِمَّــا يُفْتَـــــدَى *****وَيَدٌ تُقَبَّلُ وَهِــــيَ مِمَّـــا يُقْطَعٌ
وَبَرَاءَةٌ بِيَدِ الطُّغــــاةِ مُهانَـــــــةٌ *****وَدَنَـــاءَةٌ بِيَدِ المُبَــــرِّرِ تُصْنَـعُ
وَيُصَانُ ذاكَ لأَنَّــــــهُ مِنْ مَعْشَرٍ ******وَيُضامُ ذاكَ ، لأنَّـــــهُ لا يَرْكَـعُ
لا تَطْرِبَنَّ لِطَبْلهَـــــا ، فَطُبُوُلُهـــــا ****كانَـــــتْ لِغَيْرِكَ قَبْلَ ذلِكَ تَقْرَعُ
ما زِلْتُ أَرْعُفُ في يَدَيْها مِنْ دَمِي * عَلَقاً ، وهل تَنْسَى ضَنَاها المُرْضِعُ ؟
أّيَّامَ نَقْتَسِمُ اللّظَى وَصُدُوُرُنــــا ****تَضْرَى ، فَيَمْنَحُهـا الوِسـامَ ،المِدْفَعُ
وَدِمَاؤُنا امْتَزَجَتْ سَوَاءُ ، فَلَمْ تَكُنْ ****فِرَقَاً ، يُصَنِّفُها الهَوَى وَيُنَـــوِّعُ
وَمَشَتْ تُصَنِّفُنا يَــــدٌ مَسْمُوُمَــــةٌ *****مُتَسَــــنِّنٌ هَــــذا وَذَا مُتَشَيِّـــــعُ
يا قَاصِدِي قَتْـــــلَ الأُخُوَّةَ غِيْلَـــةً ******لُمُّوا الشِّبَاكَ ، فَطَيْرُنا لا يُخْدَعُ
غَرَسَ الإِخَــــــاءَ كِتَابُنا وَنَبِيُّنـــــا ****فَامْتَدَّ ، وَاشْتَبَكَتْ عَلَيْـــهِ الأَذْرُعُ
4 - الشيخ الوائلي يجرّني للشاعر العملاق الجواهري وقصيدته ( طرطرا ) التي تناسب هذه الأيام العراقية :
قصيدة ( طرطرا ) الجواهرية الشهيرة ، لا مثيل لها في السخرية من الأوضاع العراقية الحالية ، وإن نظمت ارتجالاً في حقبة اربعينيات القرن الماضي ، ما أشبه الليلة بالبارحة ، فعندما تعاون مصطفى العمري وصالح جبر على إغلاق صحيفته ( الرأي العام) عام 1945م ، جلس لوحده في مقهى بعد عدة أيام مغموماً مهموماً ، حزيناً ، متألماً ، فجرّ ورقة مقوّى مرمية على الطاولة أمامه ، و (خرّبش) عليها عدّة أبيات شعرية ارتجالية هائزاً من عصره ورجاله :
أي طراطرا تطرطري** تقدّمي تأخري
تشيّعي ، تسنّني ** تهوّدي ، تنصّري
تكرّدي ،تعرّبــي ** تهاتري بالعنصرِ
تعمّمي تبرنطـــي ***تعقّلي تســدّري
مستلهماً القصيدة ( الدبدبية) الساخرة للشاعر العباسي علي المغربي :
أي دبدبى تدبدبي *** أنا عليُّ المغربي
مرّ عليه في هذه اللحظات صديقه الناقد الأديب الأستاذ عبد الكريم الدجيلي مع شخص آخر ، فأهمل الجواهري الورقة ، فتلاقفها الدجيلي ، ودقق فيها ، وقال له مستنكرا: ( أهذا شيءُ يترك؟!!) ... فنبهه على إتمامها ، فأكملها ، ونشرها في جريد ته (الرأي العام ) العدد 1484 في 24 آذار1946 م ، وكان قد نبّه القرّاء قبل يوم أنّه سينشر قصيدته الجديدة ذاكراً بعض أبياتها ، ويذكر في كتابه ( ذكرياتي) : " في اليوم التالي ، تهافت باعة الجرائد على مقر ( الرأي العام) تهافتاً وصل إلى حد اضطرار حراس المطبعة لغلق أبوابها وصد زخم الباعة المتصارعين ولشدة الاقبال - كذا - ، بيعت بعض النسخ منها ، بدينار، أي بألف فلس بدلاً من عشرة." .
أيامنا أتعس من تلك الأيام وأنكب وأدهى وأمرّ ، ما كانت ضحايا الطائفية والعنصرية والمناطقية والعشائرية بهذا الشكل الرهيب قتلاً ودماراً واغتصاباً ، النواب هم النواب ، والوزراء هم الوزراء ، والعمري نفسه ، وجبر ذاته ، وإليكم بعض أبيات القصيدة :
أي طراطرا تطرطري** تقدّمي تأخري
تشيّعي ، تسنّني ** تهوّدي ، تنصّري
تكرّدي ،تعرّبــي ** تهاتري بالعنصرِ
تعمّمي تبرنطـــي ***تعقّلي تســدّري
كوني - إذا رمت العلا -من قُبُلٍ أو دُبُرِ
صالحة كصالـــح ***عامرة كالعمري
وأنت إن لم تجدي ****أبا حميد الأثرِ
ومفخراً من الجــــــدود طيب المنحدر
ولم تري في النفس ما يغنيك أن تفتخري
شأن عصام قد كفتــــــه النفس شر مفخر
طوفي على الأعراب من بادٍ ومن محتضر
والتمسي منهم جــــــــدوداً جددا وزوري
تزيــدي تزبـــــدي *****تعنـزي تشمري
تقلبي تقلب الدهـــــر بشـــــتى العبــــــر
تصرفي كما تشــــــــــائين ولا تعتــذري
أو صاح نهباً بالبـــــــلاد بائع ومشتري
أو أخذ البريء بالمجـــــــرم أخذ طرطر
أو دفع العــــــــراق للـــــذل أو التدهور
فاحتكمي تحكمـــــي وتحمدي وتؤجري
أي طرطرا تطرطـــــري وهللي وكبري
وطبلي لكل ما يخزي الفتى وزمـــري
وسبحي بحمد مأفـــــــون وشكر أبترِ
أعطي سمات فــــــارع شمردل لبحترِ
وشبهي الظلام ظلما بالصباح المسفرِ
وألبسي الغبي والأحمــــق ثوب عبقرِ
وأفرغي علـــى المخانيث دروع عنتر
إن قيل إن مجـــــدهم مزيف فأنكــري
أو قيل إن بطشهم من بطشة المستعمرِ
وإن هذا المستعير صولـــــــة الغضنفر
أهون من ذبابـــــــــــة في مستحم قذر
فهي تطير حرة جنـــــــــــاحها لم يعر
يكفي هذا من الجواهري الكبير لذّم بعض سمات عصرنا الصغير والسخر منه ، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، كما أنزل ، ويقال ، ونقول ..!!
5 - لا يختلف اثنان حول ما طرحناه ، وما كان ، كلّنا متفقون على الأقوال ، ونتفهم المضامين والمعاني ، وندعو إليها دعوة مخلصة بنّاءة ، وترانا مجدّين في مسعانا للوحدة الوطنية والعربية والإسلامية ، ولكن حين ننجرف مع العقل الجمعي ننساق معه جهلاً ، أو تجاهلاً ، أو خوفاً ، أو لا مبالاة ....وعلينا أن نسعى بمقدار جهدنا على إزاحة هذه الغمّة عن هذه الأمّة ، والتوفيق من الله :
على المرء أن يسعى بمقدار جهده *** وليس عليه أن يكون موفقا
ولله الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ ..ونحن لكم من الشاكرين ...
6 - وفي هذه الأيام انفجر شقّاً آخر بين المسلمين ، والله الساتر والحافظ ، إذ تتواصل ردود الأفعال الغاضبة من مقررات مؤتمر تعريف " أهل السنة والجماعة" ، الذي انعقد في العاصمة الشيشانية غروزني، من 25 إلى 27 آب من الشهر الماضي ، وحضره شيخ الأزهر أحمد محمد الطيب، ومفتي الجمهورية المصري ، ومن مقرراته يذكر "إن أهل السنة والجماعة هم الأشاعرة والماتريدية في الاعتقاد ، وأهل المذاهب الأربعة في الفقه ، وأهل التصوف الصافي علماً وأخلاقاً وتزكية على طريقة سيد الطائفة الإمام الجنيد ، ومن سار على نهجه ...."
وأعلن علماء دين سنة غضبهم الشديد من المؤتمر بسبب إقصائه " السلفية والوهابية وجماعة الإخوان المسلمين" من دائرة أهل السنة والجماعة ، واعتبرهم فرقاً طائفية دخيلة على السنة، حيث اعتبر " شيخ مشايخ الشام" كريم راجح أن " أهل السنة براء من مؤتمر الشيشان ومن شاركوا فيه لا يمثلون الإسلام ...".
واستغرب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي نفي البيان الختامي لمؤتمر إسلامي عقد مؤخرا في عاصمة الشيشان غروزني؛ صفة أهل السنة والجماعة عن أهل الحديث والسلفيين، واصفا إياه بأنه "مؤتمر ضرار".
وأصدر المركز الإعلامي بالأزهر بياناً حول موقف شيخه أحمد الطيب من مؤتمر غروزني الخاص بتعريف من هم "أهل السنة" وذلك بعد الانتقادات القاسية التي خرجت من أوساط سعودية احتجاجاً على استثناء السلفية من قائمة المشمولين بتلك الصفة .
فأوضح مؤكداً أن الطيب " نصَّ خلال كلمته للأمة في هذا المؤتمر على أن مفهوم أهل السُّنة والجماعة يُطْلَق على الأشاعرة، والماتريدية، وأهل الحديث " .
وتابع بيان الأزهر بالقول إن الطيب " نقل عن العلامة السفَّاريني قوله : وأهل السُّنَّة ثلاث فِرَق: الأثريَّة وإمامهم أحمد بن حنبل، والأشعرية وإمامهم أبو الحسن الأشعري، والماتريدية وإمامهم أبو منصور الماتريدي، وعن العلَّامة مرتضى الزَّبيدي قوله: "والمراد بأهل السُّنة هم أهل الفِرَق الأربعة: المحدِّثون والصُّوفية والأشاعرة والماتريدية، معبرًا بذلك عن مذهب الأزهر الواضح في هذه القضية ."
والحق أقطاب الشيعة وعلماؤهم وفقهاؤهم مثلهم مثل رموز وأئمة أهل السنة والجماعة ، لهم اجتهادتهم واختلافاتهم وخلافاتهم وصراعاتهم ، ناهيك عن الصراعات التاريخية بين الفئتين من يوم السقيفة حتى الآن ...!!
ولكن السؤال الذي يفرض نفسه ، ما ذنب عوام المسلمين وعامتهم من غير المجتهدين والمتعمقين والعارفين بهذه الخلافات والاختلافات ، وهم:
يؤمنون بالله والرسول الكريم (ص) ، واليوم الآخر.
وكتابهم القرآن الكريم .
وقبلتهم الكعبة الشريفة .
ويصلون ويصومون ويحجون البيت الحرام ، ويزكون ويجاهدون في سبيل الله ...
ومن بعد كلّ ذلك يقتلون ، وتهتك حرماتهم ، وتنهب أموالهم باسم دين محمد الذي به يعتقدون ويؤمنون ؟!! ... لا أظنك ستجيب ، ولاهم سيجيبون ، إلا بما يشتهون ، ويجتهدون ، ويضعون أنفسهم بمنزلة المعصوم من أي خللٍ أو زللٍ أو خطأ أو خطيئة ٍ، أنا ربّكم الأعلى ، فبأيِّ آلاء ربّكما تكذبان ...!!!
7 - و أخيراً دعوة لا تستجاب ...!!!
د عوة - ممن ليس مجتهداً بالدين فقهاً وإنمّا لدواعٍ إنسانية وإسلامية وعربية ووطنية حكمةً وتأملاً وتدبّراً ، وأدري أنّها لا تستجاب ، لو اجمع عليها الثقلان - ، أقول : دعوة لشطب كل مصطلح يشير للطائفية والتمذهب والتفريق بين المسلمين ، وتمزيق صفوفهم من الكتب والمؤلفات والصحف والنشرات الإعلامية والمقالات والبحوث ... والإكتفاء بكلمتي الإسلام والمسلم... و رأي جماعة من المسلمين ، إذ لم تكن هذه المفرادات بعشراتها ، أو قل بمئاتها ( اقرأ كتب الملل والنحل ، أو بما معناها للشهرستاني ولابن حزم الأندلسي وللسبحاني....، وما استجد منها إلى يومنا ...!!) موجودة أساساً في زمن الرسول الكريم (ص) ، وإنما تبلورت بعد أكثر من قرنين ونصف بعد هجرته الشريفة ، فسببت الكثير من الويلات والنكبات والمجازر بين المسلمين ...فأصحاب المذاهب:
الإمام جعفر الصاذق توفي 148 هـ .
الإمام أبو حنيفة النعمان توفي 150 هـ .
الإمام مالك بن أنس توفي 179 هـ .
الإمام الشافعي توفي 204 هـ .
الإمام أحمد بن حنبل توفي 241 هـ
الإمام أبو الحسن الأشعري توفي 324 هـ
الإمام أبو منصور الماتريدي توفي 333 هـ .
والقرآن الكريم يقول : " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا " (المائدة/3) .
فأنا مسلم عربي ، ولا إكراه في الدين ، وكفى بالله وكيلا....فهل أنتم فاعلون ، ولا تتصارعون ، ولا يحارب بعضكم بعضاً خلافا ً و اختلافا....؟ سؤال ، فيما أظنُّ ، سيبقى بلا جواب ..!!!
2 - مقولة العالم الدكتور أحمد زكي بمجلته ( العربي) .
3 - مقولة وشعر الشيخ الدكتور أحمد الوائلي .
4 - الوائلي يجرّني للجواهري وقصيدته ( طرطرا) .
5 - فذلكة الأقوال إيجازاً .
6 - مؤتمر أهل السنة والجماعة الذي انعقد - هذه الأيام - في العاصمة الشيشانية غروزني .
7 - دعوة لدواعٍ إنسانية وإسلامية وعربية ووطنية ... وظني من المحال أن تستجاب ...!!
1 - من نِعم شبكات التواصل الاجتماعي بشتى ألوانها وأنواعها المقروءة والمسموعة والمرئية تجمع كلّ أجناس الناس من بلدان متابينة ، وأوطان متباعدة ، ومدن متقاربة ، ومن الجنسين ، ومن عراق الفراتين ، تريك العراقيَّ في الحالتين ، يسرف في شحّه والندى...!!
أقول تجمع هذه الشبكات أطياف المجتمع العراقي - والعربي - أفراداً، مختلفي الثقافات والمستوى العلمي و الأكاديمي ، ومن أعمارٍ متباينة ، فتجد بينهم الشعراء والكتاب والأكاديميين ، والظاهرة الطائفية المقيتة الخطيرة ، مرتسمة في عقول ونفوس معظهم ، إن لم أقل جميعهم إلّا ما ندر .
والإنسان مهما بلغ من الرقي ، وكبر استيعاب تفهمه لطبيعة البشر ، ومدى تشابك روابط علاقاته الاجتماعية ...ينجذب بقوة للبيئة التي تربّى فيها ، ونشأ منها ، وهذا ما ندعوه بالأصالة ، ولكن العجيب الغريب المدهش عندما يريد منك أن تكون على مذهبه أو دينه ، أو معتقده ، أو بالأحرى تنقلب رأساً على عقب ، أو عقباً على رأس ، لينفي عنك صفة التعصب الأعمى ، ويرضى بك إنساناً عظيما واعياً عاقلاً... ولشدّ ما يؤلمني ويؤسفني أن من يحمل راية الشعر البديع ، والعلم الرفيع ، والدرجات الأكاديمية العليا ، يسفّ هذا الإسفاف الخطير في زمن رديء حتى الخساسة لتكريس هذه المفاهيم المسمومة القاتلة حتى الوباء الكاسح ، وبتحريك من أصابع داخلية مصلحية مرتزقة ، وخارجية معادية هادمة....وكلّما تريد أن تتودّد باحترام وإجلال لتفهم معاناته ومظلومية جمعه ، وهي لاريب جزء لا تتجزأ من مظلومية الشعب العراقي بأكمله ، وذلك لوضع يدك بيده للرقي الفكري والتقارب المذهبي أو الديني للاندماج والذوبان في بوتقة ( بودقة) الوطن الحبيب ، والعراق العريق ، رماك بالضعف والمجاملة والمحاباة ، أو لغاية في نفس يعقوب ، وفقاً لنظرية المؤامرة المزعومة ... وأنا في هذه المعمعة العجيبة الخطيرة ، وأمام مسؤوليتي المتواضعة ككاتب وشاعر - على حدّ زعمي - تذكرت ما سيأتيك ، وقلت مع نفسي لتكن مقالة هذا الأسبوع عن الطائفية ، هذا الداء الوباء الكاسح الذي لم يُبقِ ، ولم يذرِ !! ، والله من وراء القصد ، ومن بعد الله مصلحة شعبنا الحبيب وأمتنا المظلومة ، لا عداوات ، ولا محاباة ، ولا ولاءات ولا بغضاء ، ولا هم يحزنون...!!!
2 - كنت منذ عهد الصبا قد فتحت عيني على مجلة ( العربي ) الكويتية ، وقد واكبتها من العدد الأول - وربما قبلها صدر العدد : صفر ، لا أتذكر الآن - وذلك أواخر عام 1958 م ، وبالتحديد كانونه الأول ، وما فاتني من أعدادها عدد - إلا نادراً - حتى غزو العراق للكويت عام 1990 م ، ثم صدرت مرة ثانية وواصلت مشوارها ، وافترقنا بسبب هجرتي لأقصى غرب الدنيا الأمريكية .
والحق تأثرت بجاذبية قوية لمقالات ، وأحاديث شهر ، وعزيز قارئ رئيس تحريرها الأول العالم الدكتور أحمد زكي عاكف ( 1894- 1975م)، لغزارة علمه ، وسهولة كتاباته الممتنعة ، فالرجل عبقري في موهبته الأدبية ، وقد نال دكتوراه الفلسفة في الكيمياء من جامعة ليفربول عام 1924 م ، ومن ثم حصل على درجة دكتوراه في العلوم من جامعة لندن 1928م، وهي أرفع الدرجات العلمية التي تمنحها الجامعات ، ولقد تبوأ منصب رئيس جامعة القاهرة في عهد عبد الناصر حتى تقاعده ، فاحتل رئاسة تحرير المجلة العربية الرائدة بطلب من الحكومة الكويتية ، ووزارة إعلامها .
هذا ! ولا أنسى مقالات الدكتور العميد طه حسين ، والأستاذ العقاد الكبير، الروائي النوبلي نجيب محفوظ ، الشاعر نزار قباني، السفير د. عبد الهادي التازي، الباحث الشهير د. إحسان عباس، يوسف إدريس، الدكتور محمود السمرة ، الناقد المعروف جابر عصفور ....
إلى أين أريد أن أصل معك ؟!!
في أحد أحاديثه الشهرية كتب منوهاً للطائفية المقيتة قائلاً ما معناه ، وربما نصّه نفسه : ينسى وليد القيروان ما يكون مذهبه لو ولد في النجف ، وينسى وليد النجف ما سيكون مذهبه لو ولد في دمشق ...!!
تعلمت منه الدرس الثمين ، ولم أنساه ، وبقى عالقاّ بذهني ، وأردده حتى كبرت ...!! لعظمة القول ، وكبر قائله ....
3 - ومن ثم ومن بعد وبعد سمعت القول نفسه من تسجيل للشيخ الخطيب الدكتور أحمد الوائلي ( 1928 - 2003 م) ، ولا أدري من باب توارد الخواطر ، أو قد قرأه على صفحات المجلة المذكورة ، وشيخنا حصل على شهادة الدكتوراه من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة عن اطروحته (استغلال الأجير وموقف الإسلام منه) سنة 1972 م .
وربما من المفارقات التي لا تقنع الوجه الآخر حين أتكلم عن قطب مذهبي لإثبات حجتي لمقت الطائفية ، وأنا أريد القول لا القائل ، ثم من قال لك لا تتمذهب ، ولا تدافع عن وجهة نظر مذهبك ، وتستميت دفاعا ، ولكن عليك وعليّ أن تحترم وجهة النظر الأخرى ،بل وتستميت في سبيل أن يدافع أي إنسان عن حرية فكره ومعتقده ، ولو كنّا نقيضين تماما ، فالحياة تتسع وتتسع ، واختلاف أمتي رحمة ، إن صح الحديث ، فلا حديث ، وإن لم يصح ، فالرحمة من أسماء الله الحسنى ، وإن لم تكن رحمانا ، ولن تكون ، اللهم رحماك يا ربّ الأرباب..!! نسيت أن أقول لك ، من قال إن الدكتور أحمد زكي ، لم يكن قطباً للوجه المذهبي الآخر؟!!
أنا سأأخذ بالقولين والقائلين ، لأنني أنا عربي مسلم فقط ، لذلك تجنبت ذكر المذاهب وتخصيصها ، وعليك لزاماً أن تأخذ بقوليهما ، أو قول أحدهما ، ولك الخيار ...!!
ثم ألم تقرأ قول الإمام الشافعي المتوفي 204 هـ / 820 م - تمعن بالتاريخ - ( رحمه الله) الشهير الذي يستحق الإجلال والتمجيد ، في كيفية احترام الرأي الآخر ، والانفتاح الفكري ، بقوله :
" رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب"
نرجع للشيخ الوائلي ، والحق أن ما كرره من قول ،كان قد سبقه إليه الدتور أحمد زكي ، قد ضمنه من قبلُ في قصيدته الرائعة ( رسالة الشعر) التي ألقاها في قاعة الشعب عام 1965م ، ونقتطع منها الأبيات :
فالمَجْدُ يَحْتَقِرُ الجبانَ لأنَّــــهُ ****شَرِبَ الصَّدى، وعلى يَدَيْهِ المِنْبِعُ
أَكْبِرْتُ دَوْرَ الشِّعرِ عَمّا صَوَّرُوا **وَعَرِفْتُ رُزْءَ الفِكْرِ في مَنْ لَمْ يَعُوُا
أَنا لا أُرِيدُ الشِّـــــعرَ إِنْ جَدَّتْ بِنا *****نُـوَبٌ ، يُخَلِّي ما عَنَاهُ وَيَقْبَعُ
بغدادُ يا زَهْوَ الرَّبيعِ علــــى الرُّبَى ****بِالعِطْرِ تَعْــبَقُ وَالسَنى تَتَلَفَّعُ
يا أَلْفَ لَيلَةٍ ما تَزالُ طِيُوفِـــــها *****سَمَراً علـى شِطْئانَ دِجْلَةِ يُمْتِعُ
بغدادُ يَوْمُكِ لا يـــــــزالُ كأَمسِهِ ****صِوَرٌ علــى طَرَفَي نَقِيضٍ تُجْمَعُ
يَطغى النَّعِيمُ بِجانِبٍ وبجــــــانبٍ *****يَطْغَى الشَّــقا فَمُرَفَّـــهٌ وَمُضَيَّعُ
في القَصْرِ أُغْنِيَةٌ على شَفَةِ الهَوَى ***والكُوُخِ دَمْعٌ في المَحَاِجِر يَلْذَعُ
وَيَدٌ تُكَبَّلُ وَهِــــيَ مِمَّــا يُفْتَـــــدَى *****وَيَدٌ تُقَبَّلُ وَهِــــيَ مِمَّـــا يُقْطَعٌ
وَبَرَاءَةٌ بِيَدِ الطُّغــــاةِ مُهانَـــــــةٌ *****وَدَنَـــاءَةٌ بِيَدِ المُبَــــرِّرِ تُصْنَـعُ
وَيُصَانُ ذاكَ لأَنَّــــــهُ مِنْ مَعْشَرٍ ******وَيُضامُ ذاكَ ، لأنَّـــــهُ لا يَرْكَـعُ
لا تَطْرِبَنَّ لِطَبْلهَـــــا ، فَطُبُوُلُهـــــا ****كانَـــــتْ لِغَيْرِكَ قَبْلَ ذلِكَ تَقْرَعُ
ما زِلْتُ أَرْعُفُ في يَدَيْها مِنْ دَمِي * عَلَقاً ، وهل تَنْسَى ضَنَاها المُرْضِعُ ؟
أّيَّامَ نَقْتَسِمُ اللّظَى وَصُدُوُرُنــــا ****تَضْرَى ، فَيَمْنَحُهـا الوِسـامَ ،المِدْفَعُ
وَدِمَاؤُنا امْتَزَجَتْ سَوَاءُ ، فَلَمْ تَكُنْ ****فِرَقَاً ، يُصَنِّفُها الهَوَى وَيُنَـــوِّعُ
وَمَشَتْ تُصَنِّفُنا يَــــدٌ مَسْمُوُمَــــةٌ *****مُتَسَــــنِّنٌ هَــــذا وَذَا مُتَشَيِّـــــعُ
يا قَاصِدِي قَتْـــــلَ الأُخُوَّةَ غِيْلَـــةً ******لُمُّوا الشِّبَاكَ ، فَطَيْرُنا لا يُخْدَعُ
غَرَسَ الإِخَــــــاءَ كِتَابُنا وَنَبِيُّنـــــا ****فَامْتَدَّ ، وَاشْتَبَكَتْ عَلَيْـــهِ الأَذْرُعُ
4 - الشيخ الوائلي يجرّني للشاعر العملاق الجواهري وقصيدته ( طرطرا ) التي تناسب هذه الأيام العراقية :
قصيدة ( طرطرا ) الجواهرية الشهيرة ، لا مثيل لها في السخرية من الأوضاع العراقية الحالية ، وإن نظمت ارتجالاً في حقبة اربعينيات القرن الماضي ، ما أشبه الليلة بالبارحة ، فعندما تعاون مصطفى العمري وصالح جبر على إغلاق صحيفته ( الرأي العام) عام 1945م ، جلس لوحده في مقهى بعد عدة أيام مغموماً مهموماً ، حزيناً ، متألماً ، فجرّ ورقة مقوّى مرمية على الطاولة أمامه ، و (خرّبش) عليها عدّة أبيات شعرية ارتجالية هائزاً من عصره ورجاله :
أي طراطرا تطرطري** تقدّمي تأخري
تشيّعي ، تسنّني ** تهوّدي ، تنصّري
تكرّدي ،تعرّبــي ** تهاتري بالعنصرِ
تعمّمي تبرنطـــي ***تعقّلي تســدّري
مستلهماً القصيدة ( الدبدبية) الساخرة للشاعر العباسي علي المغربي :
أي دبدبى تدبدبي *** أنا عليُّ المغربي
مرّ عليه في هذه اللحظات صديقه الناقد الأديب الأستاذ عبد الكريم الدجيلي مع شخص آخر ، فأهمل الجواهري الورقة ، فتلاقفها الدجيلي ، ودقق فيها ، وقال له مستنكرا: ( أهذا شيءُ يترك؟!!) ... فنبهه على إتمامها ، فأكملها ، ونشرها في جريد ته (الرأي العام ) العدد 1484 في 24 آذار1946 م ، وكان قد نبّه القرّاء قبل يوم أنّه سينشر قصيدته الجديدة ذاكراً بعض أبياتها ، ويذكر في كتابه ( ذكرياتي) : " في اليوم التالي ، تهافت باعة الجرائد على مقر ( الرأي العام) تهافتاً وصل إلى حد اضطرار حراس المطبعة لغلق أبوابها وصد زخم الباعة المتصارعين ولشدة الاقبال - كذا - ، بيعت بعض النسخ منها ، بدينار، أي بألف فلس بدلاً من عشرة." .
أيامنا أتعس من تلك الأيام وأنكب وأدهى وأمرّ ، ما كانت ضحايا الطائفية والعنصرية والمناطقية والعشائرية بهذا الشكل الرهيب قتلاً ودماراً واغتصاباً ، النواب هم النواب ، والوزراء هم الوزراء ، والعمري نفسه ، وجبر ذاته ، وإليكم بعض أبيات القصيدة :
أي طراطرا تطرطري** تقدّمي تأخري
تشيّعي ، تسنّني ** تهوّدي ، تنصّري
تكرّدي ،تعرّبــي ** تهاتري بالعنصرِ
تعمّمي تبرنطـــي ***تعقّلي تســدّري
كوني - إذا رمت العلا -من قُبُلٍ أو دُبُرِ
صالحة كصالـــح ***عامرة كالعمري
وأنت إن لم تجدي ****أبا حميد الأثرِ
ومفخراً من الجــــــدود طيب المنحدر
ولم تري في النفس ما يغنيك أن تفتخري
شأن عصام قد كفتــــــه النفس شر مفخر
طوفي على الأعراب من بادٍ ومن محتضر
والتمسي منهم جــــــــدوداً جددا وزوري
تزيــدي تزبـــــدي *****تعنـزي تشمري
تقلبي تقلب الدهـــــر بشـــــتى العبــــــر
تصرفي كما تشــــــــــائين ولا تعتــذري
أو صاح نهباً بالبـــــــلاد بائع ومشتري
أو أخذ البريء بالمجـــــــرم أخذ طرطر
أو دفع العــــــــراق للـــــذل أو التدهور
فاحتكمي تحكمـــــي وتحمدي وتؤجري
أي طرطرا تطرطـــــري وهللي وكبري
وطبلي لكل ما يخزي الفتى وزمـــري
وسبحي بحمد مأفـــــــون وشكر أبترِ
أعطي سمات فــــــارع شمردل لبحترِ
وشبهي الظلام ظلما بالصباح المسفرِ
وألبسي الغبي والأحمــــق ثوب عبقرِ
وأفرغي علـــى المخانيث دروع عنتر
إن قيل إن مجـــــدهم مزيف فأنكــري
أو قيل إن بطشهم من بطشة المستعمرِ
وإن هذا المستعير صولـــــــة الغضنفر
أهون من ذبابـــــــــــة في مستحم قذر
فهي تطير حرة جنـــــــــــاحها لم يعر
يكفي هذا من الجواهري الكبير لذّم بعض سمات عصرنا الصغير والسخر منه ، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، كما أنزل ، ويقال ، ونقول ..!!
5 - لا يختلف اثنان حول ما طرحناه ، وما كان ، كلّنا متفقون على الأقوال ، ونتفهم المضامين والمعاني ، وندعو إليها دعوة مخلصة بنّاءة ، وترانا مجدّين في مسعانا للوحدة الوطنية والعربية والإسلامية ، ولكن حين ننجرف مع العقل الجمعي ننساق معه جهلاً ، أو تجاهلاً ، أو خوفاً ، أو لا مبالاة ....وعلينا أن نسعى بمقدار جهدنا على إزاحة هذه الغمّة عن هذه الأمّة ، والتوفيق من الله :
على المرء أن يسعى بمقدار جهده *** وليس عليه أن يكون موفقا
ولله الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ ..ونحن لكم من الشاكرين ...
6 - وفي هذه الأيام انفجر شقّاً آخر بين المسلمين ، والله الساتر والحافظ ، إذ تتواصل ردود الأفعال الغاضبة من مقررات مؤتمر تعريف " أهل السنة والجماعة" ، الذي انعقد في العاصمة الشيشانية غروزني، من 25 إلى 27 آب من الشهر الماضي ، وحضره شيخ الأزهر أحمد محمد الطيب، ومفتي الجمهورية المصري ، ومن مقرراته يذكر "إن أهل السنة والجماعة هم الأشاعرة والماتريدية في الاعتقاد ، وأهل المذاهب الأربعة في الفقه ، وأهل التصوف الصافي علماً وأخلاقاً وتزكية على طريقة سيد الطائفة الإمام الجنيد ، ومن سار على نهجه ...."
وأعلن علماء دين سنة غضبهم الشديد من المؤتمر بسبب إقصائه " السلفية والوهابية وجماعة الإخوان المسلمين" من دائرة أهل السنة والجماعة ، واعتبرهم فرقاً طائفية دخيلة على السنة، حيث اعتبر " شيخ مشايخ الشام" كريم راجح أن " أهل السنة براء من مؤتمر الشيشان ومن شاركوا فيه لا يمثلون الإسلام ...".
واستغرب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي نفي البيان الختامي لمؤتمر إسلامي عقد مؤخرا في عاصمة الشيشان غروزني؛ صفة أهل السنة والجماعة عن أهل الحديث والسلفيين، واصفا إياه بأنه "مؤتمر ضرار".
وأصدر المركز الإعلامي بالأزهر بياناً حول موقف شيخه أحمد الطيب من مؤتمر غروزني الخاص بتعريف من هم "أهل السنة" وذلك بعد الانتقادات القاسية التي خرجت من أوساط سعودية احتجاجاً على استثناء السلفية من قائمة المشمولين بتلك الصفة .
فأوضح مؤكداً أن الطيب " نصَّ خلال كلمته للأمة في هذا المؤتمر على أن مفهوم أهل السُّنة والجماعة يُطْلَق على الأشاعرة، والماتريدية، وأهل الحديث " .
وتابع بيان الأزهر بالقول إن الطيب " نقل عن العلامة السفَّاريني قوله : وأهل السُّنَّة ثلاث فِرَق: الأثريَّة وإمامهم أحمد بن حنبل، والأشعرية وإمامهم أبو الحسن الأشعري، والماتريدية وإمامهم أبو منصور الماتريدي، وعن العلَّامة مرتضى الزَّبيدي قوله: "والمراد بأهل السُّنة هم أهل الفِرَق الأربعة: المحدِّثون والصُّوفية والأشاعرة والماتريدية، معبرًا بذلك عن مذهب الأزهر الواضح في هذه القضية ."
والحق أقطاب الشيعة وعلماؤهم وفقهاؤهم مثلهم مثل رموز وأئمة أهل السنة والجماعة ، لهم اجتهادتهم واختلافاتهم وخلافاتهم وصراعاتهم ، ناهيك عن الصراعات التاريخية بين الفئتين من يوم السقيفة حتى الآن ...!!
ولكن السؤال الذي يفرض نفسه ، ما ذنب عوام المسلمين وعامتهم من غير المجتهدين والمتعمقين والعارفين بهذه الخلافات والاختلافات ، وهم:
يؤمنون بالله والرسول الكريم (ص) ، واليوم الآخر.
وكتابهم القرآن الكريم .
وقبلتهم الكعبة الشريفة .
ويصلون ويصومون ويحجون البيت الحرام ، ويزكون ويجاهدون في سبيل الله ...
ومن بعد كلّ ذلك يقتلون ، وتهتك حرماتهم ، وتنهب أموالهم باسم دين محمد الذي به يعتقدون ويؤمنون ؟!! ... لا أظنك ستجيب ، ولاهم سيجيبون ، إلا بما يشتهون ، ويجتهدون ، ويضعون أنفسهم بمنزلة المعصوم من أي خللٍ أو زللٍ أو خطأ أو خطيئة ٍ، أنا ربّكم الأعلى ، فبأيِّ آلاء ربّكما تكذبان ...!!!
7 - و أخيراً دعوة لا تستجاب ...!!!
د عوة - ممن ليس مجتهداً بالدين فقهاً وإنمّا لدواعٍ إنسانية وإسلامية وعربية ووطنية حكمةً وتأملاً وتدبّراً ، وأدري أنّها لا تستجاب ، لو اجمع عليها الثقلان - ، أقول : دعوة لشطب كل مصطلح يشير للطائفية والتمذهب والتفريق بين المسلمين ، وتمزيق صفوفهم من الكتب والمؤلفات والصحف والنشرات الإعلامية والمقالات والبحوث ... والإكتفاء بكلمتي الإسلام والمسلم... و رأي جماعة من المسلمين ، إذ لم تكن هذه المفرادات بعشراتها ، أو قل بمئاتها ( اقرأ كتب الملل والنحل ، أو بما معناها للشهرستاني ولابن حزم الأندلسي وللسبحاني....، وما استجد منها إلى يومنا ...!!) موجودة أساساً في زمن الرسول الكريم (ص) ، وإنما تبلورت بعد أكثر من قرنين ونصف بعد هجرته الشريفة ، فسببت الكثير من الويلات والنكبات والمجازر بين المسلمين ...فأصحاب المذاهب:
الإمام جعفر الصاذق توفي 148 هـ .
الإمام أبو حنيفة النعمان توفي 150 هـ .
الإمام مالك بن أنس توفي 179 هـ .
الإمام الشافعي توفي 204 هـ .
الإمام أحمد بن حنبل توفي 241 هـ
الإمام أبو الحسن الأشعري توفي 324 هـ
الإمام أبو منصور الماتريدي توفي 333 هـ .
والقرآن الكريم يقول : " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا " (المائدة/3) .
فأنا مسلم عربي ، ولا إكراه في الدين ، وكفى بالله وكيلا....فهل أنتم فاعلون ، ولا تتصارعون ، ولا يحارب بعضكم بعضاً خلافا ً و اختلافا....؟ سؤال ، فيما أظنُّ ، سيبقى بلا جواب ..!!!
0 comments:
إرسال تعليق