ما أعجب أن ينتهي بها المشهد تماما كما بدأ مع تهالك لياليها المتعبة تحت وسادة وجعها ، هكذا نشأت"بهية" في بيت كانت هي أكبر أخوتها وكلهن بنات ، تنام وتقبع في زوايا حجرات قلبها الصغير أحلامها البعيدة ورغباتها البريئة، ويشاء العلي القدير أن يهب أسرتها الذكر بعد شوق كبير فكان المدلل دائما ثم كبر وهو المسيطر الذي يأمر وينهي ولا يرد له مطلبا، تحملت بهية المسؤولية وهي لم تزل طفلة صغيرة وكان عليها أن تتحمل أيضا تصرفات أخيها العبثية والطائشة حتى كادت تفقد حق التنفس أمامه عاد أخوها يوما من المدرسة كعادته مسرعا وطلب منها أن تحضر له طبقه المفضل البطاطس المقلية المقرمشة ، ولكنها اعتذرت لأن موعد انصرافها إلى عملها قد حان وعليها أن تكون في الموعد ، صرخ مناديا والده فأتاه مهرولا وأجبر بهية أن تحضر له ما طلبه قبل ذهابها إلى عملها بالرغم من أنها كانت قد أعدت طعام الغداء وأتمت تحضير المائدة ولكنه أصر على طلبه فاضطربت وأسرعت وبدأت في التحضير وبينما هي تهم بوضع البطاطس في الزيت المغلي انقلبت المقلاة بين يديها فأحرق الزيت يديها وشوه جمالهما التي بهما كانت تساعد والدها وتعينه على توفير ما تحتاجه أخواتها والمنزل ، التحدي الذي يملأ قلبها دفعها إلى الذهاب للعمل ، كان إصرارها كبيرا على أن تواصل الوقوف إلى جانب والديها في تنشئة أخواتها وأن تكافح من أجل إسعادهم ، ومرت عليها الأيام متشابهة ، تراها دائما مهتمة بمحاولة تحقيق التوازن في معادلة إرضاء جميع أفراد العائلة ، وعلى صعوبته كانت تقابل طلباتهم بابتسامة عريضة حيث كانت تجد في ذلك متعة ،وكثيرا ما كانت مضطرة تحت ضغوط جائرة أن تلتحف وشاح الصمت وتشرع بوابة السمع ببلاهة وتدخل في شبه حالة تفقد فيها نبرات صوتها وتضيع ملامحها بين أصوات أخرى ولكنها تصبر على أمل أن تغمرها مياه الدهشة الباردة حينما تباغتها المفاجأة على مدرج العمر، ثم أتى ذلك اليوم الذي التقت فيه فارس أحلامها ، يعمل موظفا بإحدى الإدارات التابعة لجهة عملها ، استلطفته لما احترمت فيه أخلاقه الطيبة ، ثم تمتعت بأيامها وهي تعيش أجمل الحكايات التي كتبها لها القدر بشذى ورود الدنيا، وكان يبادلها نفس الاحترام والإعجاب الشديد ببريق عينيها التي امتلأت فرحا لا تخفيه نظراتها الآسرة ، لقد رأت فيه حلمها الملون الذي زرع الأمل بين ضلوعها ، عبر لها عن رغبته في التقدم لخطبتها مقتنعا بأن سماحة شخصيتها تمكنها من التعايش مع كل أفراد عائلته ، وفي اليوم الموعود تأخرت بهية في تحضير ملابسها وزينتها وبينما هي منهمكة وأفراد العائلتين يتبادلون أطراف الحديث الباسم طلبت أمها أن تقوم أختها " نرجس" باستدراك الموقف سريعا فقامت بتقديم المشروبات والحلوى للحاضرين ، وما كادت تنتهي حتى حلت "بهية" وكانت على مسمى في أبهى حلة وأزهى زينة، ولكن المفاجأة كانت كبيرة وأصبحت كابوسا بمليون مخلب وألف رأس وكل رأس بلسان يمتص لون أحلامها وتسقط كلماتها الشاعرية التي أجلتها إلى موعد خطبتها في سراديب الصمت ، واحترقت فراشاتها المحملة بالأماني المنتظرة ، وتوقفت شفتاها عن الشدو، إذ بعدما رأى الخاطب أختها " نرجس" انبهر بجمالها فهمس من توه إلى أهله من حوله أنها هي من جاء لخطبتها ووافقت عائلتها وتظاهرت بهية بالانشراح قليلا بعدما وجهها أبوها إلى ضرورة الصمت والقبول بالأمر فلدية الكثير من البنات يريد لهن الستر العاجل ،وبأصداء فرح أجلته بعدما خاب أملها تراخت الظلمة على جسدها المستلقي في آخر الليل أغنية حزينة تبحر بها ألحانها الشجية إلى آت مجهول، سعادة أختها تهمها ولا يهمها نفسها ، ما تزال مستعدة للتضحية في كل وقت من أجل أخواتها ، مرت السنون سريعة لفرط ما عرفته من مناسبات سعيدة ومسرات فقد تزوجت كل أخواتها البنات ينما بقت هي تجلدها السنون بسياط من جمر الحياة ، كلام الناس لا يرحم ، قاربت على الأربعين من عمرها وأصبح شبح العنوسة يلوح لها في اليقظة والمنام كأقرب ما يكون.
لدى خروجها يوما من عملها مهرولة نحو الصيدلية لشراء دواء السكري لوالدها اضطرت حتى لا تتأخر بالدواء عن أبيها المريض إلى استئذان أحد الشباب كان ينتظر دوره للشراء ، فسمح لها بالمرور قبله لما رآها على عجلة ، راق له أدبها ولياقتها خاصة عندما شكرته ، لقد كانت الصدفة التي خلقت الفرصة ليجري بينها التعارف سريعا ، ثم كان أن طلبها للزواج رغم فارق السن حيث كانت تكبره بعشر سنوات، كانت دخيلتها تحدثها أن عليها أن تثبت لمن لم يرحمها بلسانه أنها لا تزال مرغوبة ولم يفتها قطار الزواج ، وتم كل شيء بسرعة وانتقلت للعيش معه في بيته المتواضع، أخلصت له وساعدته بمالها الخاص وباعت ما كان لديها من ذهب لتوفر له معها الحياة الكريمة ، ولكنها تصطدم بواقع مغاير لشخص أعمى الطمع والجشع بصيرته،وذاقت منه كل أنواع الذل والمهانة لكنها كانت تكتم سرها عن أهلها ،أدركت أنها عبثا تقف أمام شلال العمر وعبثا ترسم بمفردها تضاريس جزيرة الحلم الجميل، قصدت يوما الطبيب بعدما أحست توعكا بعد الشجارات اليومية بينهما ،كان قد أنهكها حظها التعيس والشؤم الذي لا يبارحها ، أفاقت على صوت الطبيب يبارك لها حملها في توأمين ، استبشرت بحملها وأقنعت نفسها بأن كل ما يحدث حولها ليست إلا مواجع مؤقتة ولاشك أن الخبر سيفرح زوجها والأهم أنه لن يعيرها ثانية بأنها أصبحت عجوزا لا تقدر على الإنجاب، أعدت لهذه المناسبة السارة مساءا رومانسيا بعشاء فاخر، ولكن انهارت أحلامها التي زرعتها بطفليها اللذين لم يريا النور،إذ انهال عليها بالضرب المبرح فور سماعه بحملها ،أدخلها المستشفى وفيها أجهضت حملها ، لقد أصبحت مجرد امرأة مهزومة تغازل أطياف الشمس المرتحلة مخلفة وراءها السنين التي ضاعت وانقضت معها صفحة من زمن العمر الحالم زرعتها لمستقبل ليس لها ، لقد أنهكتها المسافات وأرهقها الركض وراء تفاصيل الأمل الذي انتظرته منذ أينعت أنثى ،وبعدما خانتها أصوات النوارس المتلهفة قررت في لحظة تجاوز واقعها المرير وحالها البليد ،عادت إلى منزل أهلها خائبة ، أضاعت مالها ولم يسعفها الوقت للإنجاب ، انه جنون اللحظة يخترق ذاكرتها الغارقة بهموم الحياة وتقلبات الزمن ، كل أشرعة أحلامها ممزقة حيث أصبحت مسألة استمرارها مع حكيم مستحيلة بعدما تعاظمت نسبة النكران والجحود والألم الذي يفترسها ومضى قطار العمر بها وحيدة وفي إحدى محطاته يتجدد أملها مرة أخرى إذ عبر أحد معارف عائلتها رغبته في الزواج منها قبلت به لأن لم يبقى لها أحد يؤنس وحدتها بعدما فقدت والديها، كان " وحيـد" في مثل حالها ، كان ثريا وفر لها كل أسباب السعادة والراحة والهناء ، وكانت هي سعيدة به تعامل أهله بكل الحب و الحنان ومن بينهم ابن شقيقة زوجها الذي حذرها من طمعه خاصة في سن المراهقة التي يمر بها ومن طلباته التي لا تنتهي ونصحها بأنه من الأفضل أن لا تعوده على التقرب منها أكثر ، ولكن بهية أرادت أن تحتويه وأن يحبها مثل أمه وهي المحرومة من نعمة الأطفال ، كانت تحاول جاهدة تغيير نظرات كل من حولها برسم صورة للغد أجمل تعيش فيه بأمان وسط عائلة جديدة دون عداوة.
وقفت تنظر من وراء شرفتها إلى حيث تشرق الشمس كعادتها في كل يوم جديد علها تجد في أشعتها الدافئة الطاقة المتجددة للصبر وفرجة الأمل حتى يختفي ذاك الإحساس الرهيب بالوحدة والفقدان،لا تزال تحاول تغيير زمنها القاتم والموحش ، وفي منعرجات الأقدار التي قادتها لم تدر أن معاملتها الطيبة لم تشفع لها عند ابن شقيقة زوجها الذي استغل غياب زوجها عن البيت ليتوجه إليها يطالبها بمبلغ مالي كبير، وجدت طلبه غريبا ، وما كادت تستفسره عن حاجته له حتى صرخ في وجهها ووجه لها ضربة قوية على رأسها بقضيب حديد أسقطها أرضا وقام بسرقة ما تيسر له ثم أحرق البيت كله بما فيه، لم يتبق منها بعدما تم إخماد النار إلا آثار الحرق القديم على يديها، ماتت تاركة حياة سرق فيها كل من حولها ابتسامتها عنـوة .
لدى خروجها يوما من عملها مهرولة نحو الصيدلية لشراء دواء السكري لوالدها اضطرت حتى لا تتأخر بالدواء عن أبيها المريض إلى استئذان أحد الشباب كان ينتظر دوره للشراء ، فسمح لها بالمرور قبله لما رآها على عجلة ، راق له أدبها ولياقتها خاصة عندما شكرته ، لقد كانت الصدفة التي خلقت الفرصة ليجري بينها التعارف سريعا ، ثم كان أن طلبها للزواج رغم فارق السن حيث كانت تكبره بعشر سنوات، كانت دخيلتها تحدثها أن عليها أن تثبت لمن لم يرحمها بلسانه أنها لا تزال مرغوبة ولم يفتها قطار الزواج ، وتم كل شيء بسرعة وانتقلت للعيش معه في بيته المتواضع، أخلصت له وساعدته بمالها الخاص وباعت ما كان لديها من ذهب لتوفر له معها الحياة الكريمة ، ولكنها تصطدم بواقع مغاير لشخص أعمى الطمع والجشع بصيرته،وذاقت منه كل أنواع الذل والمهانة لكنها كانت تكتم سرها عن أهلها ،أدركت أنها عبثا تقف أمام شلال العمر وعبثا ترسم بمفردها تضاريس جزيرة الحلم الجميل، قصدت يوما الطبيب بعدما أحست توعكا بعد الشجارات اليومية بينهما ،كان قد أنهكها حظها التعيس والشؤم الذي لا يبارحها ، أفاقت على صوت الطبيب يبارك لها حملها في توأمين ، استبشرت بحملها وأقنعت نفسها بأن كل ما يحدث حولها ليست إلا مواجع مؤقتة ولاشك أن الخبر سيفرح زوجها والأهم أنه لن يعيرها ثانية بأنها أصبحت عجوزا لا تقدر على الإنجاب، أعدت لهذه المناسبة السارة مساءا رومانسيا بعشاء فاخر، ولكن انهارت أحلامها التي زرعتها بطفليها اللذين لم يريا النور،إذ انهال عليها بالضرب المبرح فور سماعه بحملها ،أدخلها المستشفى وفيها أجهضت حملها ، لقد أصبحت مجرد امرأة مهزومة تغازل أطياف الشمس المرتحلة مخلفة وراءها السنين التي ضاعت وانقضت معها صفحة من زمن العمر الحالم زرعتها لمستقبل ليس لها ، لقد أنهكتها المسافات وأرهقها الركض وراء تفاصيل الأمل الذي انتظرته منذ أينعت أنثى ،وبعدما خانتها أصوات النوارس المتلهفة قررت في لحظة تجاوز واقعها المرير وحالها البليد ،عادت إلى منزل أهلها خائبة ، أضاعت مالها ولم يسعفها الوقت للإنجاب ، انه جنون اللحظة يخترق ذاكرتها الغارقة بهموم الحياة وتقلبات الزمن ، كل أشرعة أحلامها ممزقة حيث أصبحت مسألة استمرارها مع حكيم مستحيلة بعدما تعاظمت نسبة النكران والجحود والألم الذي يفترسها ومضى قطار العمر بها وحيدة وفي إحدى محطاته يتجدد أملها مرة أخرى إذ عبر أحد معارف عائلتها رغبته في الزواج منها قبلت به لأن لم يبقى لها أحد يؤنس وحدتها بعدما فقدت والديها، كان " وحيـد" في مثل حالها ، كان ثريا وفر لها كل أسباب السعادة والراحة والهناء ، وكانت هي سعيدة به تعامل أهله بكل الحب و الحنان ومن بينهم ابن شقيقة زوجها الذي حذرها من طمعه خاصة في سن المراهقة التي يمر بها ومن طلباته التي لا تنتهي ونصحها بأنه من الأفضل أن لا تعوده على التقرب منها أكثر ، ولكن بهية أرادت أن تحتويه وأن يحبها مثل أمه وهي المحرومة من نعمة الأطفال ، كانت تحاول جاهدة تغيير نظرات كل من حولها برسم صورة للغد أجمل تعيش فيه بأمان وسط عائلة جديدة دون عداوة.
وقفت تنظر من وراء شرفتها إلى حيث تشرق الشمس كعادتها في كل يوم جديد علها تجد في أشعتها الدافئة الطاقة المتجددة للصبر وفرجة الأمل حتى يختفي ذاك الإحساس الرهيب بالوحدة والفقدان،لا تزال تحاول تغيير زمنها القاتم والموحش ، وفي منعرجات الأقدار التي قادتها لم تدر أن معاملتها الطيبة لم تشفع لها عند ابن شقيقة زوجها الذي استغل غياب زوجها عن البيت ليتوجه إليها يطالبها بمبلغ مالي كبير، وجدت طلبه غريبا ، وما كادت تستفسره عن حاجته له حتى صرخ في وجهها ووجه لها ضربة قوية على رأسها بقضيب حديد أسقطها أرضا وقام بسرقة ما تيسر له ثم أحرق البيت كله بما فيه، لم يتبق منها بعدما تم إخماد النار إلا آثار الحرق القديم على يديها، ماتت تاركة حياة سرق فيها كل من حولها ابتسامتها عنـوة .
شكرا يادكتورة لقصصك الساحرة انت اروع كاتبة قرات لها
ردحذف