أخوانيات وطرائف أشهر شعراء النجف
بين 1775 م - 2016م
الحلقة الثانية
بحر العلوم وكاشف الغطاء : عصرهما مسألة التحكيم و معركة الخميس :
الحق ! قاد هذه المرحلة الدينية والاجتماعية والأدبية في النجف بمرجعيتها الفقهية ومسألة تحكيمها ومعاركها الخميسية الشعرية ، المرجعان الدينيان الكبيران الشهيران السيد محمد مهدي بحر العلوم ، والشيخ جعفر كاشف الغطاء الكبير ، وهما أول وآخر من جمع القيادة الدينية والشعرية ، إذا استثنينا الشريف الرضي من قبلُ ، والسيد محمد سعيد الحبوبي من بعدُ ...!!
ولكي نتعرف على عصرهما وزمنهما ، يجب أن نتكلم بــ
1 - نـبذة مختصرة جداً عن الرائدين :
أ - السيد محمد مهدي بحر العلوم (1155 - 1212هـ / 1742 1797م) :
يذكر (مركز تراث السيد بحر العلوم ) : ولد السيد فجر ليلة الجمعة المصادف الأول من شوال سنة 1155هـ / 1742م بمدينة كربلاء المقدسة. و نشأ وسط عائلة علمية، أبوه المرتضى الطباطبائي كان من أفاضل العلماء والمدرسين في كربلاء، والمرجع الكبير وزعيم الحوزة العلمية الوحيد البهبهاني هو زوج عمّته، . تعلم القراءة ولكتابة قبل اجتياز السابعة من عمره. وحضر أولياته وسطوحه من النحو والصرف وبقية العلوم العربية والمنطق والاصول، والفقه والتفسير وعلم الكلام وغيرها على فضلاء عصره والمتخصصين في هذه العلوم.
انتقل من كربلاء الى النجف الاشرف مهاجراً سنة 1169 ه / 1755م لتحصيل العلم على يد كبار علمائها ، وجدّ في التأليف والتدريس والزعامة الدينية والاجتماعية والأدبية ، وألتف حوله تلامذته ومريديه وحاشيته كالشيخ جعفر كاشف الغطاء والسيّد جواد العاملي صاحب (مفتاح الكرامة) وغيرهما .(1)
وقد ذكر السيد الأمين في (أعيان الشيعة) بأنّه : كان يحب الشعر وإنشاده فيستنشد الشعراء ويرتاح إلي محاضراتهم ومطارحاتهم ويحكّمونه بينهم ويمدحونه فيجيزهم الجوائز الجليلة، وهو نفسه شاعر مطبوع ينظم الشعر كثيراً ويجاري الشعراء في محاضراتهم ومطارحاتهم...وكانت داره مجمع العلماء والأدباء يجري فيها من المحاضرات والمسامرات والنوادر والملح الشيءالكثير مثل معركة الخميس ومسألة التحكيم. (2)
ب - المرجع الآخرالشيخ جعفر كاشف الغطاء الكبير: (1156 - 1228هـ / 1743 - 1812 م) المعاصر والمتآخي مع السيد بحر العلوم .
هو جعفر بن خضر بن يحيى الجناجيّ الحلّيّ النجفيّ مؤسّس أسرة (آل كاشف الغطاء) والمعروف بـ (جعفرالكبير) و (شيخ المشايخ). كان فقيهاً، أُصوليّاً، متكلّماً، محقّقاً، كاتباً، مرجعاً دينيّاً، أديباً، شاعراً، متواضعاً ، جريئاً ، مهاباً ، وقورا ، لُقِّب بهذا اللقب بعد تأليفه كتابه الفقهيّ المشهور (كشف الغطاء) ، وأسرته من الأسر النادرة التي سميت على اسم كتاب .
وُلد بالنّجف الاشرف سنة 1156 هـ الموافق لسنة 1743م.)،(3)
المرجع الأول في تاريخ الإمامية قفزت قيادته لتشمل عدّة دول أقليمية ، فزادت شهرته ونفوذه الديني والسياسي والاجتماعي.
أستيحكم عذراً أن أستعير البيت الآتي من الشعر لـ ( الجامعي) ، أحد أركان معركة الخميس :
وهيهات ان يحظى بصفو وداده *** وان كان " بحرا " في العلوم " وجعفرا"
وأتصرف به ، لأختم هذه الفقرة عنهما :
وهيهات ان (تحظى الكمال شواردي *** لمن ) كان " بحرا " في العلوم " وجعفرا"
لا تُخفى التوريتان البديعتان بين كلمتي بحر وجعفر - جعفر النهر الملآن الغزير - وهما المعنى القريب ، أما المعنى البعيد فهما السيد مهدي بحر العلوم والشيخ جعفر كاشف الغطاء الكبير ...!!
2 - عصرهما :
السيد محمد مهدي بحر العلوم :(1155 - 1212هـ / 1742 1797م)
الشيخ جعفر كاشف الغطاء الكبير: (1156 - 1228هـ / 1743 - 1812 م) :
أ - الحوزة العلمية الإمامية تتنقل من كربلاء إلى النجف.
لاريب أنّ موضوع تاريخ الحوزة شائك جدا ، متواصل ومستمر، فمدرسة المدينة وحديثها ، والكوفة وقياسها ، وآل البيت وأجتهادها ، هي الأثافي الثلاثة التي أرتكزت عليها مدرسة بغداد الفقهية للإمامية ، ثم انتقلت إلى النجف ، فالحلة ، فالنجف مرة ثانية ، فكربلاء ، فالنجف مرة ثالثة ، ، فسامراء ، فالنجف مرة رابعة ، وكان للسيد بحر العلوم دور أساسي في العودة بها إلى النجف الأشرف في عصره وعصر كاشف الغطاء ...!!
كانت الحوزة العلمية الإمامية في بغداد أيام الشيخ المفيد ابن المعلم (336 هـ / 948م - 413 هـ / 1022م) - وكانت هنالك حوزة إمامية في قم - ومن بعده بقى تلامذته الشريفان المرتضى ( توفي 436 هـ) والرضي ( توفي 406 هـ)، والشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، يدرسون فيها ، ولهم مقام كبير بها حتى دخول السلاجقة إليها سنة 447 هـ ، فهاجر الشيخ الطوسي بعد سنة لوقوع اضطرابات وقلاقل عام ( 448هـ/ 1056م ) إلى النجف ، وآتخذها مقراً لحوزته ، أو قل جامعة له، وكان قد سبقه إليها بعض العلماء ، وتقام الدروس فيها ، وبوجوده انتعشت الحوزة كثيرا ، وعلى أسس متينة ، وتوفي سنة 460 هـ ، وانتقلت الحوزة إلى الحلة في عهد سبطه محمد ابن أدريس الحلي (543 - 598 هـ)، وظلت في المدينة الفيحاء ما يقارب ثلاثة قرون ، وفي بدايات القرن العاشر الهجري أي منذ سنة 900 للهجرة/ 1494للميلاد- عادت واستقلت بالعلم والرحلة إليها منذ عصر المحقق الشيخ علي عبدالعال الكركي - نسبة إلى الكرك في البقاع اللبناني ، توفي عام 940هـ/ 1533م، عصر ، وانتقلت الحوزة خمسين عاماً إلى كربلاء في عهد الوحيد البهباني ( 1118 - 1206 هـ)، وسرعان ما رجعت إلى حاضنتها النجف في عهد السيد محمد مهدي بحر العلوم، وتلميذه الشيخ جعفر الكبير الجناجي صاحب كتاب ( كشف الغطاء) . واستمرت أيام مرجعية الشيخ محمد حسن النجفي صاحب (جواهر الكلام)، ثم الشيخ مرتضى الأنصاري، حتى المجدد السيد محمد حست الشيرازي،( 1815 - 1895م) صاحب فتوى التنباك الشهيرة ، إذ أقام في سامراء ، وهاجرت معه حتى وفاته ، ورجعت في عهد تلميذه الشيخ ميرزا محمد حسين الخليلي ( توفي 1322هـ / 1904 م )، و بقت إلى اليوم.....
ب - الخلفاء العثمانيون والسلاطين المماليك في عصرهما :
كما ذكرنا عاش السيد بحر العلوم الجد الأول للعائلة الكريمة بين ( 1742 - 1797م) ، والمماليك حكموا بغداد والعراق 82 سنة من (1749 - 1831م) ، وهذا يعني كان طفلا ، لم يتجاوز عمره سبع سنوات ، وتسلم سليمان باشا أبو ليلة مقاليد الحكم في بغداد وبقى ثلاث عشرة سنة ، ثم عاصر من بعده من السلاطين المماليك علي باشا وعمر باشا ومصطفى باشا وعبد الله باشا ، واضطربت الأمور ، ودهمت الطواعين حتى استلم قائد المماليك سليمان باشا الكبير الحكم في 1780 ويبقى في حكمه حتى ( 1802م) ، ويموت السيد بحر العلوم في عصره المستقر نسبياً ، وذلك سنة 1797م، ويدفن غي النجف الأشرف
المستقر نسبيا
إن أول من أتى بالمماليك إلى العراق هو الوالي العثماني حسن باشا فقد أراد هذا الوالي بعد أن فسد نظام الانكشارية ،أن يجعل لنفسه جندا مختصين به يستعين بهم ويتعصبون له فأرسل إلى بلاد القفقاس من يأتي إليه بالصبيان. وكانت أسواق مدينة تفليس آنذاك زاخرة بالصبيان المعروضين للبيع، فأسس حسن باشا في بغداد دائرة خاصة اسمها إيج دائرة سي أي دائرة الداخل ومهتها هي الإشراف على شراء المماليك من تلك البلاد وتدريبهم، وعندما تولى الحكم من بعده ابنه أحمد باشا أكثر من شراء الجنود المماليك وأعتنى بهم، حتى أصبحوا قوة لايستهان بها، وبعد وفاة الوالي أحمد باشا كثر عددهم واستطاعوا فرض إرادتهم على الدولة العثمانية وينصبوا أحدهم وهو سليمان باشا أبو ليلة واليا على العراق في سنة 1749م.(4)
ج - تجدد ظاهرة الأخباريين بالبروز في عصر السيد محمد مهدي بحر العلوم ، والشيخ جعفر كاشف الغطاء الكبير :
الأخباريون، هم فرقة من الفقهاء الإمامية التي تعتبر أخبار وأحاديث أئمة الشيعة (ع) كمصدر وحيد للفقه والاستنباط الحكم الشرعي. ظهرت هذه الفرقة في القرن الحادي عشر، وكانت لا تجوّز استخدام الطرق الاجتهادية وعلم أصول الفقه. وفي مقابلها يقع الفكر الأصولي الذي يرى ضرورة العمل بالطرق الاجتهادية والاتكال على علم أصول الفقه لاستباط الحكم الشرعي.
وكان محمد أمين الأسترابادي وعبد الله بن صالح بن جمعة البحراني وميرزا محمد الأخباري من الأخباريين المتشددين، . وكان يقابلهم في معسكر الأصوليين الوحيد البهبهاني والشيخ الأنصاري والشيخ جعفر كاشف الغطاء.
وكان الشيخ جعفر النجفي كاشف الغطاء (متوفى 1227-1228هـ/1812-1813م) هو من جملة المقارعين للأخباريين، حيث قام بمخالفة ميرزا محمد الأخباري وفي هذا الصعيد حرر كتيباً تحت عنوان كشف الغطاء عن معائب ميرزا محمد عدو العلماء، وأرسل نسخة منه إلى فتح علي شاه القاجار حتى يكفّ عن دعم ميرزا محمد الأخباري.(5)
د - الوهابية تغزو العراق :
في عصر المرجعين بحر العلوم وكاشف الغطاء ، بدأت الحركة الوهابية تتوجه نحو العراق وسوريا والحجاز ، وتهدد الأماكن المقدسة للإمامية ، بل وللدولة العثمانية نفسها وذلك منذ سنة 1790 ، فشرع الأمير عبد العزيز بن سعود بالسيطرة على منطقة الأحساء المجاورة للأراضي العراقية ، وهاجمت الحركة مراعي الظفير والمنتفق والشامية ،وأخذ الدعاة ينشرون دعوتهم بالأرياف والمدن سنة 1796م ، و كلّف سليمان باشا والي بغداد المملوكي العثماني ثويني شيخ المنتفق بمحاربتهم ، ولكن ثويني قتل بطعنة طعيس عبد جبور بني خالد وذلك سنة 1797م / 1212 هـ ، وهي السنة التي توفي فيها السيد محمد مهدي بحر العلوم ، انكسر الجيش العثماني ، و بأمر من السليمان نفسه ، كرر الهجوم هذا الجيش بقيادة الكهية علي باشا في سنة 1798م ، واستطاع أن يصل إلى قلعتي الهفوف والمبرز ، وعجز عن هدمهما بالمدافع ، فعاد الجيش إلى بغداد ، وتم الصلح ، وعقدت الاتفاقيات ، ولكن في سنة 1216 هـ / 1801 م ، وفي 18 ذي الحجة ( عيد الغدير) استباح الوهابيون كربلاء ، وقتلوا ألفين من الرجال ، ونهبوا كل الخزائن الثمينة في الضرائح المقدسة ، وبعد أكثر من سنة ( أواخر 1803م ) ، يقتل الأمير عبد العزيز بن سعود بيد شخص أفغاني كان مقيما في بغداد يدعى الملا عثمان ، بينما كان الآمير يصلي بالناس بالدرعية عاصمة الإمارة، مما أدى إلى تجدد الصراع ومهاجمة مدينة الزبير ، وهدم مشاهد طلحة والحسن البصري ، وفي سنة 1806 م شن الوهابيون على النجف ، والهجوم باء بالفشل لقوة وشكيمة المرجع الديني الكبير الشيخ جعفر كاشف الغطاء الكبير (6)
هـ - الوضعية الاجتماعية في عصرهما :
كان عصرهما يتصف بالتواضع والتراحم والبساطة والتكافل الاجتماعي بعيدا عن صخب الحضارة المادية ، والنزعات الأنانية ، أروي لكم فقرات معبرة ، ولك تقدير المواقف :
1 - بحر العلوم ومساعدة الفقراء :
كان الرجل رحوماً باراً ، يتفقد أوضاع الناس الاقتصادية والمعيشية وخصوصاً الفقراء المعدمين ، ويتخذ القرار الإنساني العطوف ، ذكروا: ان السيد محمد جواد العاملي صاحب(مفتاح الكرامة ) - من أعاظم تلاميذه - كان يتعشى - ذات ليلة - إذ بعث إليه السيد بحر العلوم ، يدعوه للحضور بسرعة، فترك عشاءه وحضر بين يدي استاذه. فلما رآه السيد رحمه الله أخذ يؤنبه بكلمات شديدة. وذكر له: أن احدا من اخوانه وجيرانه من اهل العلم - وسماه له - كان يأخذ كل ليلة من البقال (قسبا) لقوت عياله ولهم قرابة الأسبوع لم يذوقوا الحنطة والأرز. وفي هذا اليوم ذهب إلى البقال ليأخذ القسب، فامتنع البقال من إعطائه لثقل دينه، فظل - هذه اللية - هو وعياله وأطفاله بلا عشاء، فأخذ السيد محمد جواد يعتذر إلى السيد بعدم علمه بالموضوع، فقال له السيد رحمه الله: " لو علمت بحاله - وتعشيت ولم تلتفت إليه - كنت كافرا. وإنما أغضبني عليك عدم تفقدك إخوانك وعدم علمك بحالهم ". فأمر له السيد رحمه الله ( بصينية ) كبيرة فيها أنواع الأكل وصرّة من المال على أن يوصلها إلى الرجل، ويتعشى معه ويستقر، ويأتيه بالخبر حتى يتعشى السيد، وبقي عشاؤه أمامه لم يتناول منه شيئا، حتى رجع ( السيد العاملي ) من ذلك الرجل، وأخبره باستقراره وفرحه بالطعام والمال، لأنه كان مديناً بقدر المال - تقريبا - فعندئذٍ تناول السيد عشاءه وجرت القصة الى بعد منتصف الليل.(7)
رواية تتضمن كثيراً من المعاني الإنسانية والإسلامية الرفيعة السامية ، تجسد أخلاقيات مراجع عصرهما ، ومُثلهم وقِيَمهم ونبلهم .
2 - وهذه فقرات من سلوكيات الشيخ الشهم الكبير المتواضع الوقور جعفر كاشف الغطاء إذ كان يحاسب نفسه ليلاً قائلاً (كنت في الصِغر تُسمّى جُعَيْـفراً... ثمّ صرت جَعْـفَراً، ثمّ سُمّيت الشيخ جعفر، ثمّ الشيخ على الإطلاق، فإلى متى تعصي الله ولا تشكر هذه النعمة...) !!!
ومن مواقفه الشهيرة الخالدة :
عندما فرضت الحكومة العثمانية المسيطرة على العراق آنذاك ضريبة على أهالي النجف الأشرف، وهي أن تدفع ثمانين طنّاً من الطعام، وهي ضريبة عالية وباهظة في تلك الأيام ، فلم يطق أهالي النجف الأشرف جمعها ودفعها ، وكانوا مهددين بالعقوبة القاسية، فبادر الشيخ الى توفير هذه الضريبة وابعاد شبح ا المعاناة والإرهاب النفسي عن اهالي النجف الاشرف .(7)
لا يتخيل القارئ الكريم أنّنا نورد ما كتبوا لمجرد التمجيد الشخصي عن قوم عند ربّهم يرزقون ، ولكن هذه القيم والمروءات والنبل ، يجب أن تسود العقل الجمعي ، وأن يقتدي بها من يتطلع للزعامة السياسية أو الدينية ، أو الاجتماعية ..!!!(8)
و - النهضة الأدبية :
لا يختلف اثنان أن عصر ( بحر العلوم - كاشف الغطاء )، هو عصر القفزة الأدبية - والشعر على وجه الخصوص - لأنه استطاع أن يوفق بمهارة عالية ، وإدراك واعٍ متحضر بين المرجعية الدينية والمرجعية الأدبية ، وزاد عبقرية في تحويل الإلهام والإبداع الشعري من اهتمام فردي إلى تنافس جمعي في مسألة التحكيم ومعارك الخميس ، ومن هنا تأتي الأخوانيات والطرائف في عكس المعاناة والاهتمامات والآمال الذاتية والموضوعية للمجتمع خلال عصره المتواصل مع العصور التالية التي أبرزت حقبة العشرة ، ورواد القرن العشرين في الأدب والشعر ، ومن ثم رواد الشعر الحر ، أو كما سمي من بعد شعر التفعيلة .
وإليك هذه المساجلات الشعرية من ذلك العصر كتمهيد لما سنتوسع فيه قليلاً في مسألة التحكيم ومعركة الخميس .
الفقه والمرجعية والزهد والتقوى يجب أن لا تمنع من يتمتع بها بالأريحية ولطفها ، والشعر ولذاذته - إن كان قادراً متمكناً - ، فمن أخوانيات السيد بحر العلوم المذكور : " نه دفع - يوما - لتلميذه الحجة السيد محمد جواد العاملي ( شاميين ) - من نقود زمانه - ليدفعهما الى أحد المحتاجين . فامتثل السيد العاملي، وجاء إلى دار السيد ليخبره بامتثاله. فوجده داخل حرمه المقدس ، فكتب إليه - عجلا - في رقعة : " الشاميين قد دفعهما " ومهر الرقعة معكوسا، فجاء الجواب من قبل السيد رحمه الله:
المبتدا المرفوع جاء منتكس * والمهر في الكتاب جاء منعكس
فأجابه السيد العاملي على ذلك:
قد عكس المهر اختلال وهمي ** إذ لم يكن لي فيهما من سهم
والمبتدا المرفوع لما عرضا **** على الإمام العلوي انخفضا(9)
ولا يخفى قي بيت السيد بحر العلوم إشارة إلى أن تلميذه العاملي يجب أن يكتب " الشاميان قد دفعهما" على اعتبار أن كلمة " الشاميان ..." مبتدأ ، ، ويقول له واحدة بواحدة ، لا تحاسبني على ( المهر المنعكس)...!! فيرد تلميذه العاملي بالبيتين السابقين ، و يتبين لي من الرد، أنّ التلميذ العاملي ، هو الذي قام بمهر الكتاب ، وليس السيد ، ويزيد ملاطفاً ، هل أعطيتني حصة من ( الشاميين) ليستقيم ذهني ، ثم ما المشكلة بأنخفاض المبتدأ ، لما دخلت على حضرة الإمام العلوي انخفضا احتراماً وإجلالاً ، ولا تخفى المطابقة الجميلة بين العلو والانخفاض ...!!
وهذه أخرى للشيخ كاشف الغطاء الكبير :
يمر الجامعي محمد بن يوسف على دارالزيني ،وكان غائبا ببغداد ، فتذكر مجلسه ومناظراته - وهما من أعضاء معركة الخميس - فارتجل أبيات بعثها إليه:
بما بيننا مـــــن خالص الودِّ لا نسلو ** وغير أحـــاديث الصبابة لا نتلو
مررتُ علـــى مغنـــــاك لا زال آهلاً ***فهاج غرامــي والغرام بكم يحــلو
وعيشــــك إنّي ما توهّـــمت آنفـــــاً *** بعادك عنّى أو رباع الهوى تخلو
وما(جعفرٌ)في ودّه الدهر صادقٌ ** وما(صادقٌ)من لم يكن في الهوى يغلو
وفي البيت الأخير تعريض بالشيخ جعفر والسيد صادق ، وهما اللذان عرفا باخلاصهما للزين من قبل فاستثار ذلك الشيخ جعفر بأبيات بعثها إلى الزيني وهي :
لساني أعيى في اعتذاري وما جرى * وإن نال حظاً في الفصاحة أوفرا
فلو أننّي أهديــــــتُ مالي بأسره **** وما للورى - طراً - لكنت مقصرا
فدع عنك شــــيخا يدّعي صفو ودّه *** فما كل من يرعى الأخلاء جعفرا
يريك " بأيّام الخميس " مــــودةً **** وفي سائر الأيّام ينسخ مـــا يرى(10)
نكتفي بهذا القدر الوافي الشافي ،ونترك للغد ، ما يأتي به الغدُ ، ولكل حادث حديث ، ولكل مقال مقال ، والإنسان بين الآلام والآمال ....
كريم مرزة الأسدي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) للإفاضة عن حياته ، راجع :
( رجال بحرالعلوم) المعروف ( بالفوائد الرجالية ) : بحر العلوم، محمد مهدي بن مرتضي، 1155-1212 هـ. تحقيق : حسين بحر العلوم ، محمد صادق بحر العلوم - مكتبة الصادق - طهران - إيران
مركز تراث السيد بحر العلوم :
17 /5 /2010 م ، جمادي الآخرة1431 هـ ، عن :
- حياة العلّامة السيّد محمد مهدي بحر العلوم ص 282
- المحصول في شرح وافية الأصول للفاضل التوني، والمحصول للمقدس السيد محسن الأعرجي المتوفي سنة 1227هجرية.
(2 ) (أعيان الشيعة) للسيد محسن الأمين 159 / 10
(3) تجد ترجمته في ( الأعلام ) : الزركلي ج 2 ص 124 ، رجال الفكر : 486 ، معجم المؤلفين العراقيين ج 1 ص 251 - 252 ، روضات الجنات : ج 1 ص 151
، والذريعة ج7 ص 37 ، معارف الرجال ج 2 ص 150 ، ماضي الحلة ج3 ص 131 .....معجم الشّعراء النّاظمين في الحسين - الجزء الثالث: دائرة المعارف الحسينية. ، للشيخ الدكتور الكرباسي .
( 4) لمحات إجتماعية من تاريخ العراق الحديث : الدكتور علي الوردي ج1- ص:154
- الموسوعة الحرة ،مواد : المماليك في العراق
(5 ) لمحات إجتماعية من تاريخ العراق الحديث ج1 - الدكتور علي الوردي - ص: 154 - 167
(6) - ماضي النجف وحاضرها : الشيخ جعفر محبوبة - ج 1 ص 324 - 327 - دار الأضواء .
- عباس العزاوي (تاريخ العراق بين احتلالين) - ج6 ص32
(7) ( رجال بحرالعلوم) المعروف ( بالفوائد الرجالية ) : بحر العلوم، محمد مهدي بن مرتضي، 1155-1212 هـ. تحقيق : حسين بحر العلوم ، محمد صادق بحر العلوم - مكتبة الصادق - طهران - إيران
مركز تراث السيد بحر العلوم :
17 /5 /2010 م ، جمادي الآخرة1431 هـ ، عن :
- حياة العلّامة السيّد محمد مهدي بحر العلوم
(8) روضات الجنات في أخبار العلماء والسادات : محمد باقر الخوانساري الأصبهاني ج 1 ص 151
الذريعة في تصانيف الشيعة : آغا بزرك الطهراني ج7 ص 37
(9 ) ( رجال بحرالعلوم) المعروف ( بالفوائد الرجالية ) : 1 / 73 بحر العلوم، محمد مهدي بن مرتضي، 1155-1212 هـ. تحقيق : حسين بحر العلوم ، محمد صادق بحر العلوم - مكتبة الصادق - طهران - إيران .
(10 ) م. ن . 1 / 82 .
للتوسع والإفاضة ، راجع :
- (رجال بحرالعلوم) المعروف ( بالفوائد الرجالية ) : بحر العلوم، محمد مهدي بن مرتضي، 1155-1212 هـ. تحقيق : حسين بحر العلوم ، محمد صادق بحر العلوم - مكتبة الصادق - طهران - إيران
- الموسوعة الحرة ،مواد : المماليك في العراق... الحركة الوهابية .....
- (دواد باشا والي بغداد) :عبد العزيز سليمان نوار - القاهرة 1968 - ص23،
- لمحات إجتماعية من تاريخ العراق الحديث ج1 - الدكتور علي الوردي - ص: 154 - 167
- عباس العزاوي (تاريخ العراق بين احتلالين) - ج6 ص32
- ماضي النجف وحاضرها : الشيخ جعفر محبوبة - ج 1 ص 324 - 327 - دار الأضواء .
0 comments:
إرسال تعليق