ماذا حلَّ بالكونغو؟/ شوقي مسلماني

 


كان عدد السكّان عشرين مليوناً، وذلك قبل أن تكون الكونغو عند قوائم كرسي "عظيم" بلجيكا، الملك ليوبولد الثاني، وكانت مراعيها فقط أضعاف أضعاف حجم بلجيكا ذاتها ـ أكثر من عشرين ضعفاً ـ والكونغو غنيّة بالثروات ومنها المطّاط. 

وصارت الكونغو تحت الوصاية البلجيكيّة، وإسمها: "دولة الكونغو الحرّة"،  لمساعدتها على النهوض وبلوغ المرتقى الذي يليق، وخصوصاً في الثقافة وفي إنتشار رحمة السيّد الفادي عليه الصلاة والسلام. واستغرقت الكونغو العظيمة والطيّبة في الإعتقاد النبيل، والمقابلُ لبلجيكا كلّ ثروات الكونغو، كلّ ثروات الكونغو الطبيعيّة، وطبيعي أيضاً ثروة المطّاط. 

ثمّ بإختصار شديد ما عليه مزيد أصدر "عظيم" بلجيكا ليوبّولد الثاني "فرماناً" بوضوح الشمس في رابعة النهار: كلّ الكونغو.. بحجرها، بشجرها، بحيواناتها، ببشرها، بما يهبّ أو يدبّ، بما إجمالاً هو تحت الأرض وفوق الأرض، مُلك من؟ مُلك دولة الكونغو الحرّة؟ لا لا،  "الكونغو بما فيها وما عليها مُلك شخصي" للفرعون الآخر" ـ للملك ليوبولد إيّاه. 

وصار على كلّ نفر في الكونغو أن يقدّم "قرباناً" أسبوعيّاً للملك: مقداراً من المطّاط. والمطّاط حليب تدرّه شجرة المطّاط ـ "هيفيا" ـ الذي بحاجة لتحصيله إلى دراية وقدرة. وكان رجال الأمن البلجيكي يحرصون على جمعه، ويا ويل ويا ليل من يتخلّف أو يتردّد: "تُقطع يدُه". ثمّ في المرّة الثانية "يُجبّ ذَكَرُه". ثمّ في المرّة الثالثة "يُقتل" بالطريقة المناسبة عبرةً لمن يعتبر. 

ثمّ اهتدى بلجيكي ذاك العصر والأوان ـ بين 1885 و1908 ـ أنّه يستحيل أن يفي جميع أبناء دولة الكونغو الحرّة بما يتوجّب. كثيرهم من غير المنتجين: كالأطفال والمرضى والعاجزين والعُجّز. وصدر قرار بقتلهم. وقُتِلوا. واستعيض عن العقاب المتدرّج ـ القطع والجمّ ثمّ القتل ـ بالقتل المباشر. 

وبعد أقلّ من ربع قرن، بعد أقلّ من ربع قرن، بعد 23 سنة فقط ـ ويا لعميق جرح الكونغو.. أعانها الله ليلتئم ـ انخفض عدد أهلها ـ ويا لها جريمة يندى لها جبين البشريّة أيضاً وأيضاً ـ من عشرين مليون إلى عشرة ملايين، مُحي واحد من كلّ إثنين، نصف السكّان تحت الأرض ونصف السكّان فوقها بالعدل والقسطاط. 

وبإختصار شديد ما عليه مزيد، وبعد إستقلال الكونغو أخيراً ـ عام 1960 ـ رفض الملك الحفيد تقديم الإعتذار عن فظائع الملك الجدّ الذي أخيراً دمّرت قوى بلجيكيّة ديمقراطيّة مناهضة للعنصريّة أكثر تماثيله المنتشره في مدن بلجيكة فضلاً عن تلك التي كانت في العاصمة "بروكسل"، ولكنّه "أسِف" فقط أسف "لما أصاب الكونغو"، لما أصاب الكونغو، وكأنّما من بركان، وكأنّما من زلزال، وكأنّما من وباء.. أو الله أعلم!. 

shawkimoselmani1957@gmail.Com


CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق