الحياة مهما امتدت واتسعت بين يدى الإنسان، فإنها منتهية، إلا أن هناك أناسا وصلوا أسباب الحياة بأسمائهم، حتى بعد رحيلهم؛ لأنهم كانوا زمنا في الزمن، وحياة في الحياة تألقًا وتوهجا بالفكر.. فتمر عليهم السنون والقرون، ومازالت أسماؤهم دائرة على حوافِّ الألسن، محفوفةً بالثناء والإجلالِ والدعوات.. عبد الحليم حافظ تحول إلى أسطورة في الغناء وأحمد زكي إلى أسطورة في التمثيل، وقد نشعر بالدهشة من كم التفاصيل التي تربط زكي في الواقع بحليم، وقد تكون كلمة الدهشة غير كافية للتعبير عن هذه الحالة التي أبت الدنيا أن تعطي أيا منهما الفرحة، لكنها أعطتهما مشوارًا طويلًا مع الألم.. المتأمل لسيرة حياة حليم وزكي ستدهشه وتصدمه في الوقت نفسه، المفارقات القدرية بدءًا بأن الاثنين ولدا فجرا عبد الحليم في 21 يونيو 1929، وزكي في 18 نوفمبر 1949 وهما يملكان نفس الوجه النحيل والجسد النحيف الضعيف، والملامح المنحوتة والعيون الغائرة المليئة بالحزن، ذهبا للملجأ، نبغا في الدراسة، كانت القاهرة قبلة أحلام كل منهما، حليم شكل ثورة غنائية، وزكي شكل ثورة في التمثيل، وغير مقاييس الممثل النجم، وحمل معه إلى السينما المصرية تيار الواقعية الجديدة.. أي قدر جمع الاثنين؟!. أحمد زكي ليس فقط ابن المحافظة التي ولد فيها عبد الحليم محافظة الشرقية ولكنه مثله عانى الحرمان، وكلاهما ظل طوال حياته يبحث عن الحنان وعن الحضن الدافئ، نفس الألم من اليتم.. رحل "حليم" وترك تراثًا غنائيًا يبلغ 170 أغنية وهو تراث شديد الثراء والتنوع، وأحمد زكي قدم للسينما المصرية إنجازاَ مماثلاَ فأفلامه التي تصل إلى 56 فيلمًا تنوعت ما بين الأفلام الاجتماعية والكوميدية والسيرة الذاتية السياسية والرومانسية والأكشن، وطوال مشواره الفني كان حريصًا على أن يصنع أفلامًا للتاريخ وأخرى للنجومية ولإسعاد الجمهور.. وامتلك الاثنان الموهبة النادرة، الحضور والكاريزما، الدأب على العمل والإنجاز ونفس العذاب والمعاناة من المرض... وأيضًا رحلا في الشهر نفسه شهر مارس، ولا نملك إلا أن ندعو لهما بالرحمة والمغفرة ونقول لهما أنهما مازالا أحياء بإبداعهما..
إقرأ أيضاً
-
بحكم أن الجزائر خضعت للحكم العثماني لمدة تفوق 300 سنة ( 1518 - 1830 ) هذه المدة الطويلة كانت كفيلة لانتقال الموروث العثماني إلى المجتمع ...
-
مشاركة : مفيد نبزو ـ مهداة إلى أمي ، وزوجتي ، وكل أمهات العالم . من القصائد المعتبرة عالميا ًمن أفضل ما كتب عن الأم ، فقد كتبها الشا...
-
NA VEIA DO AMOR * POEMA DO POETISA BRASILEIRO : MARIA APARECIDA MARQUES SOUZA / BRASIL - * TRADUÇÃO FEITA PELO POETA TUNISIANO : MOHY C...
-
في خضم النقاشات المحتدمة حول مستقبل سوريا السياسي، يبرز خيار الفدرالية كأحد الطروحات التي يروج لها بعض الفاعلين الدوليين والإقليميين، إلى جا...
-
المعروف انه بعد اتفاق الطائف وتعديل الدستور اللبناني ان الرئيس لا يملك تلك الصلاحيات المطلقة التي كانت قبل الطائف والتي تحول معظمها الى رئيس...
-
( في رثاء الشاعر الكبير المرحوم الأستاذ " جورج نجيب خليل " ) - في الذكرى السنويَّةِ على وفاتِه - نبيَّ الشِّعرِ والن...
-
قال تعالى في مُحكم التنزيل : ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَ...
-
مع افتتاح بازار الإنتخابات الرئاسية في لبنان بدأت سبحة الترشيحات لرئاسة الجمهورية منها المعلن سابقا وحديثا بالاضافة الى الترشيحات الكامنة ...
-
في ربُى مدينةٍ لظاها الوقدُ تلظى في دُجى ليلّها الوجدُ فمِن فرطِ الحرائق راح الّليل يحكي للصّباحِ كيفَ أقامتِ الحرائق الّليالي ولم تقعدها!...
-
(ملاحظة : لقد كتبت هذه المقالة التحليليَّة لكتاب (أيام فلسطينيَّة ) قبل وفاة الصديق الكاتب والمؤرح خالد الذكر الدكتور تميم منصور بعدة سنوات ...
0 comments:
إرسال تعليق