ندم/ عبدالقادر رالة

 
   لدينا أمور نندم عليها جميعنا ، وأحيانا تبكينا فيما يتعلق بأسلوب تعاملنا مع أمنا الله يرحمها !
أنا الابن الأكبر  سليمان..   
منذ خمسة وثلاثين سنة اشتهت  أمي العنب ! فصرخت في وجهها وقلت لها :
ـ اشتري لك الموت! كنت دائم الخصام معها ..لأني أواعد فلانة السيئة السمعة ولا أحرص على زوجتي وابني الصغير..لم أكن أحب زوجتي ، فأمي لم تترك لي حرية الاختيار ، ولن أسامحها هي وجارتنا رقية! وطلقت زوجتي فيما بعد !
ورحلت الى مدينة بعيدة...  ويوم توفيت ... لم أحضر جنازتها وكان بإمكاني الحضور ، وحتى الآن لم أزر قبرها!
أنا الابن الثاني جيلالي..
  زرتها في احد الامسيات الشتوية الباردة .. كانت تعيش عند أخي الاصغر مروان ... دخلت عليها في غرفتها...وقد تدثرت بأكثر من غطاء..
 ترجتني أن أشتري لها قارورة غاز بوتان لأجل المدفأة..وأخي فقير وموعد منحة البلدية لا يزال بعيدا...وعدتها لكني لم أفي بالوعد..قارورة غاز...مائتي دينار ...ماذا تساوي بالنسبة لتعبها من اجلنا حتى صنعت من رجال!
 وفي منتصف ليلة ذاك اليوم البارد سمعت طرقاً قويا متتابعا ...فتحت الباب.. ابن اخي سعيد يخبرني أن جدته توفت...  بكيت دموعا حارة....
 أنا الابن الأصغر مروان... كانت دائمة الشجار مع زوجتي ..فكنت اصرخ فيهما واشتمهما للاثنتين! فتبكيان معا..لكن بكاء الزوجة ليس كبكاء الأم !
 وما يواسيني الأن انها قالت وهي تحتضر بأنها راضية عني ، وعن زوجتي وعن أولادي!
توفت عندي ، في بيتي ، وبين احضاني..ورغم ذلك أشعر بالندم لأني لم أدللها ولم اشتري لها الملابس أو الفواكه كما يفعل الابناء البارون مع امهاتهم!
 هل تتصورون  بأن يوم وفاتها كان يوما مباركاً ؟ اذ سترني الله ، ولم يفتضح فقري امام الناس ذو الالسنة  الطويلة! اذ وقف معي الجميع ، اصدقائي، الجيران و القليل من الاقارب ، وكان ذلك يثير حنق اخي جيلالي لماذا المساعدات المالية القليلة أو الكثيرة تُعطى لي أنا فقط؟
  سبعة ايام وأنا استقبل  المعزين...ولم ينقص شيئ  من اللحم ، الكسكسى ، المرق والشاي أوالقهوة. . وفي اليوم الثامن بقي عندي ورقة من فئة خمسمائة دينار ثمن قارورتي غاز!
 أنا البنت الوحيدة وأصغر اخوتي جميلة..
  رغم اني اسكن في مدينة بعيدة جدا ً... إلا اني اتيت و أسفت لأني لم أحضر التغسيل والدفن...ولم ارى وجه أمي لأخر مرة....وصلت متأخرة....
 أنا نادمة على شيء واحد ... يبكيني ....كلما كنت أزور أخي مروان كانت تترجاني بأن أنام بجانبها وتحتضنني كما كانت تفعل وأنا صغيرة... لكني كنت أتحجج بالحرارة...العرق...وبناتي الصغيرات... ومنذ أن توفت والدتي لم تعد لي الرغبة في زيارة المدينة ، ولا صرت اشتاق الى اخوتي و اولادهم!

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق