ثانياً - إشباع حركات الروي أو الوصل ، أو الخروج في القوافي المطلقة إلى أحرف اللين ، أو المد :
القوافي المطلقة :
وهي القوافي التي يكون فيها حرف الروي محركاً بحركة ( المجرى) ، وحركة المجرى طبعا ً إمّا الضمة أو الفتحة أو الكسرة ، وتشبع هذه الحركات إلى حروف لين (26) ، الواو والألف والياء على التوالي ، لذلك تسمى بالقوافي المطلقة ، وهذه القوافي يأتي بعد رويها حرف (الوصل ) بأنواعه ، وربما يلحقه حرف لين آخر هو ( الخروج ) ، ويسبقه إمّا حرف عادي أو حرف ردف ، أو حرفا التأسيس والدخيل ، وسنفصل الأمر بالنقاط الآتية :
الحرفان بعد الروي المحرك ، وهما الوصل والخروج :
1- قافية مطلقة مجردة من الردف والتأسيس ، ولابدّ لحرف رويها الأخير من وصل ، إذ تتحول حركة الروي (المجرى) إلى حرف لين بعد الإشباع ، وإليك أمثلة من شعر السيد جعفر الحلي :
قد فرّق الفكر أيّام الحياة على *** علم ٍيقول لأشتــات العلى اجتمعي
ولّـتْ على إثره الدنيا وزينتها***ما لامرىءٍ بعده بالعيش من طمع(27)
القافية مطلقة ، وحرف الروي العين ، ودقـّقْ في البيت الأول تجد ياء المخاطبة الساكنة ، ولكن ياء المخاطبة لا يمكن أنْ تكون حرف روي مطلقاً ، فهي وصل لحرف الروي العين ، أمّا في البيت الثاني فتشبع الكسرة إلى حرف لين (الياء الساكنة) ، فتصبح وصلا للعين .
يقول المتنبي :
سأطلب حقـّي بالقنا ومشايخ ٍ***كأنـّهم من طول ما التثموا مُردُ
ثقال ٍإذا لاقوا خفافٍ إذا دعوا **** كثير ٍإذا اشتدّوا قليل ٍإذا عُدّوا (28)
القافية دالية مطلقة ، في البيت الأول تشبع الضمة إلى حرف لين (مد) ، وهو الواو الساكنة ، أما البيت الثاني فتشاهدون ملحق الفعل الماضي المبني للمجهول ألحق بنائب الفاعل واو الجماعة ، وهذه تعتبر وصلاً ، لاحرف روي ، وهكذا يجري الأمر مع كل حرف غير أصلي من الكلمة ، حرفالألف لا ينطق ، فهو مجرد حرف زائد للتمييز ، وأعطيك حرف ألف أصلي وينطق ، ويحسب وصلاً لا حرف روي ، إقرأ ما يقول حلـّينا السابق :
لو أقبلتْ مضرٌ تقفو ربيعتهـــــــــــا *** يستنزلونهمـــــا ألفوا هدًى وندى
بالراسبات السحام الدكن ما برحتْ****كالمنهل العذب تروي كلّ من وردا(29)
حرف الروي للقافية المطلقة هو الدال ، بالرغم من أن الألف المقصورة في البيت الأول حرف أصلي ، وإن كان الحرف الأصلي ألفا ممدودة يجري الحكم نفسه ، إذا التزم الشاعر بالحرف السابق له ، فيعدّ السابق للألف هو الروي ، كالصاد في البيت التالي :
واللوم للحرِّ مقيمٌ رادعٌ****والعبد لا يردعهُ إلا العصا (30)
فكلُّ حروف العلة إذا التزم الشاعر الحرف السابق لها يُعتبر رويا ، فيصبح حرف العلة وصلاً ، وإذا لم يلتزم الشاعر بالحرف السابق لها ، تكون هي حرف الروي ، وفي حالة الألف تسمى القصيدة المقصورة ، وكما ذكرنا من قبل ألف الأثنين الملحقة بالفعل أيضا لا تحسب روياً ، وإنما وصلاً. وذكرنا قول الراعي النميري ( يا صاحبي دنا الأصيلُ فسيرا ) ، ألف الأثنين المرفق بالفعل ( سِير) وصل والروي الراء . وقد تتصل الهاء الساكنة ، أو الهاء المتحولة من تاء التأنيث الساكنة مثل قول المتنبي :
لا تحسبوا ربعكمْ ولا طللـّهْ ****أولَ حيٍّ فراقكـــــــمْ قتلـَهْ
قد تلفتْ قبلهُ النفوس بكمْ ****وأكثرتْ في هواكمُ العذلـهْ (31)
القافية المطلقة لامية حركتها الفتح ، والهاء وصل ساكنة، وإليك مثال آخر لنذكر الوصل :
وتجتنب الأســــودُ ورودَ مــــاءٍ** إذا كُنَّ الكلابُ وَلَغْـــنَ فيْـهِ
ويرتجع الكريم خميصَ بطنٍ** ولا يرضى مساهمة السَّفِيْه (32)
الروي في البيتين الهاء ، لأن حرف الياء قبلها ساكن ، والوصل الياء المتولدة من إشباع حركة الكسر ، فالقافية هائية مطلقة ، وقد تكون القافية مطلقة ووصلها كاف المخاطب ، ولكن يجب أن يلتزم الشاعر بالروي ، مثل قول دعبل في هجاء أحمد بن أبي دواد :
إنْ كان قــــــــومٌ أراد الله خزيهمُ *** فزوّجوك ارتغاباً منــك في ذهبـِكْ
ولو سكتَ ولم تخطب إلى عربٍ **لما نشيت الذي تطويه من سببـِكْ (33)
القافية مطلقة الباء المكسورة هي الروي والتزم الشاعر بها في كل القصيدة . و كاف المخاطبة الساكنة وصل .
2 - قافية مطلقة مجردة من الردف والتأسيس ، فالروي محرك بحركة المجرى ، ولكن بعد الروي يأتي حرفان الوصل والخروج ، وطبعاً هذان الحرفان لا يمكن أن يدخلا على القافية المقيدة ، لأن حرف الروي فيها ساكن وينتهى الأمر، أمّا القافية المطلقة التي يلي حرف رويها حرفان الأول الوصل والثاني الخروج ، وما بعد الخروج خروج ! مثالها قول السيد حيدر الحلي :
محضُ النجار ِكريمُ الفرع ِطيّبُهُ **** سامي العلى من نطافِ العزِّ مشربُهُ (34)
الروي الباء المضمومة ، فالقافية مطلقة ، والهاء وصل , وضمة الهاء تشبع إلى واو ساكنة وهي الخروج ، وإليك مثال آخر من دعبل :
تخضبُ كفـّاً بُتِكتْ من زندِها****فتخضبُ الحنـّاءَ من مسوَدِّها (35)
أولاً القافية مطلقة ، لأنّ حرف الدال الروي حركته الكسر ، ثانياً لا تتوهم بأنّ القافية مردوفة بالواو، لأنّ الواو حرف علـّة فقط محرك بالفتح وليس بساكن ، والدليل قبلها حرف السين ساكن ،ويشترط بالردف أن يكون حرف العلة ساكناً ، وجاء بعد الروي حرفان ، وهما ضمير الغائبة المؤنثة المتصل(هـا) ، فالهاء وصل والألف خروج ، ومثل ذلك قول شوقي :
قمْ سابق الساعة واسبقْ وعدَها ***الأرضُ ضاقتْ عنكَ فاصدعْ غمدَها (36)
ثالثاً - حروف المد واللين في الشعر العربي عند القصر والمد والإشباع والاختلاس كضرائر شعرية :
1 - القصر والمد لا يجريان إلا على حرف الألف ،وهو حرف علّة ولين ومد :
أ - قصر الممدود :
جائز عند أقطاب المدرستين البصرية والكوفية بالإجماع ، وشائع جدا في الشعر العربي منذ الجاهلية حتى يومنا ، وقد قال ابن مالك عنه في (ألفيته) :
وقصر ذي المدِّ اضطراراً مجمعُ *** عليهِ ، والعكسُ بخلفٍ يقعُ
وأعقب ابن عقيل - بعد أن ذكر البيت - في شرحه للألفية ، قوله:
" لا خلاف بين البصريين والكوفيين في جواز قصر الممدود للضرورة
واختلف في جواز مد القصور فذهب البصريون إلى المنع وذهب الكوفيون إلى الجواز..." (37 )
فكما تقرأ : القصر مجمع عليه لدى البصريين والكوفيين ، وقصرتُ ( البقاء ) إلى (البقا) في شطر لأحد أبيات قصيدتي ( يا لعبة الأقدار ...!!) : (مَنْ عاشَ عاشَ، ومِنْ يمتْ فلهُ البقا ) ، وسبق أن قال النمر بن تولب ، وهو شاعر مخضرم بين الجاهلية والإسلام ، وأسلم ، وقصر الكلمة نفسها التي قصرتها (البقاء) :
يَسُرّ الْفَتَى طُول السَّلَامَة وَالْبَقَا *** فَكَيْف تَرَى طُول السَّلَامَة يَفْعَل(38)
فيجب على الشاعر المجيد أن يحسن توظيف الضرورة ، وذلك يرجع لموهبته ، ومدى سعة ذخيرته الأدبية !!
يقول الشاعر إيليا أبو ماضي :
قلتُ : ابتسم ، يكفي التجهم في السما
وإليك قول الشاعر الذي قصر( أساء) إلى (أسا) :
ليت شعري أمحسن من أسا بي *** وقليلٌ أجداءُ يا ليت شعري
والشريف الرضي يقصر (كربلاء) ، و(بلاء) في شطر واحد : (كرْبَلا ، لا زِلْتِ كَرْباً وَبَلا) ، وعجز بيت المثل السائر (لابد من صنعا وإن طال السفر ) ، قد قصرت (صنعاء) إلى (صنعا) .
ب - مد المقصور :
ولا أطيل عليك ، والأمثلة تكفي ، وستأتي ! ، الذي لم يجزه البصريون ، ونحن اليوم نسير على نحوهم ، مد المقصور ، وكما مرّ عليك ابن مالك قد أجازه قائلاً : (العكس يقع ) ، ولكنه غير مجمع عليه ، وأبو العباس المبرد شيخ البصريين في عصره ، يعلل بـ (كامله) ، سبب إجازة القصر ، لا المد بقوله : " وذلك أن الممدود قبل آخره ألف زائدة، فإذا احتاج حذفها لأنها ألف زائدة، فإذا حذفها رد الشيء إلى أصله، ولو مد المقصور لكان زائداً في الشيء ما ليس منه " ( 39)
ولكن أبا تمام (ت 228 هـ)الذي سبق المبرد (ت 285 هـ) بجيل، قصر ومدّ في بيت واحد قائلاً :
ورث الندى وحوى النُّهى وبنى العلا ** ورجا الدجى ورما الفضا بهداء
قصر (الفضاء)إلى ( الفضا)، ومد (الهدى) إلى (هداء ) ، والجواهري في عصرنا ، لم يلتفت إلى مذهب البصريين ، وسار على مذهب قومه الكوفيين ، فمدّ (ضحى) إلى (ضحاء) في وصف سامراء ، ببيته التالي :
بلدٌ تساوى الحسن فيه فليله *** كنهاره وضحاؤه كأصيله
ولكن في البيت الآتي اختلف البصريون والكوفيون حول كلمة (غناء) :
سَيُغْنِينِي الَّذِي أَغْنَاكَ عَنِّي**** فَلَا فَقْرٌ يَدُومُ وَلَا غِنَاءُ (40)
ابن منظور في (لسانه - مادة غنا ) يعتبرها من (الغنى) ضد الفقر، أي بالألف المقصورة ، ، وهو محق ، ويذكر قول ابْنُ سِيدَهْ : الْغِنَى ، مَقْصُورٌ ، ضِدُّ الْفَقْرِ ، فَإِذَا فُتِحَ مُدَّ (41)
و أوقع هذا خلافاً بين الكوفيين والبصريين على مدّ المقصور ، إذ يذهب البصريون أنّ (الغناء) مصدر لـ (غانيت)، لا لـ (غنيت) ، وهذا تعسف منهم الكلام لي - ودليلي اورد الشاعر طباقها (فقر) بالعجز نفسه ، إذاً مدّ الشاعر المقصور.
والكوفيون يصرّون على صحة رأيهم - وأنا معهم - ويستشهدون بقول الشاعر :
قد علمتْ أمّ أبي السّعلاءِ *** وعلمت ذاك مع الجراءِ
أنْ نِعْم مأكولاً على الخواءِ**يا لك من تمرٍ ومنْ شيشاءِ
ينشب في المسعلِ واللهاءِ
والسعلاء والخواء واللهاء ،،، كلّه مقصور في الأصل ، ومدّه لضرورة الشعر ، فدلّ على جوازه ، هذه وجهة نظرنا ، فنحن على مذهب الكوفيين كالمتنبي والجواهري في هذه المسألة ( إذا أردت التوسع . (42)
2 - الإشباع والاختلاس يجريان على حروف الألف والياء والواو كحروف مد ولين عند الضرورة الشعرية :
أ - الإشباع :
يعني تبليغ وإشباع الحركة حتى يتولد منها حرف من جنسها , لكي يستقيم الوزن , فنشبع الضمة إلى الواو ، والكسرة إلى الياء ، والفتحة إلى الألف , وكما شرحنا من قبل - في علم العروض - أنّ الكم الصوتي لحرف اللين أكبر من الكم الصوتي للحركة المجانسة له ، ولكن ليس بكثير ، فيمكن في حالات خاصة لضرورة ، إشباع الحركات لتولد حروف لينها ، أو اختلاس الحروف لتصبح حركات جنسها ، وقد يكون الإشباع واجباً ، نظراً لأحكام الشعر ، كالحركات الأخيرة لصدر البيت وعجزه ، وإليك قول مجنون ليلى ، وقد أشبع حركة الفتح في قافية الصدر والعجز إلى الألف :
ألا ليت شعري مالليلى وماليا *** وماللصبا من بعد شيب علانيا
وكذلك كحركة ضمير الغائب المفرد ، إذا سبقه حرف متحرك ، مثل : ( لَهُ) تصبح (لَهو)، و(بهِ) تغدو(بهي)،و(كلّهمُ) تمسي(كلَّهمو) ،ولكن في (منْهُ)،و( عنْهُ)... للشاعر الخيار بالإشباع أو عدمه ومن ذلك قول الشاعرمسكين الدارمي ربيعة بن عامر بن أنيف وقد أشبع حركة الكاف مرتين ، والخاء ،والهاء في صدرالبيت الشهير التالي ، وقصر الهيجاء إلى الهيجا في عجزه :
أخاكا أخاكا إن من لا أخا لهو *** كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاحِ
البيت من (الطويل)، يمكن عدم إشباع حركتي الفتح للكافين ، فتقبض تفعيلتي (فعولن ، مفاعيلن) ، فتصبحان ( فعولُ، مفاعلن) ،وهما من جوازات الطويل ، فيكتب البيت على الشكل الآتي :
أخاكَ أخاكَ إنْ من لا أخاً لهو *** كساعٍ إلى الهيجا بغير سلاحِ
ولكن يجب إشباع حرف الخاء لاستقامة الوزن ، ناهيك عن إشباع الهاء فهو لازم ، وكذلك قول الفرزدق وقد أشبع حركة الفتحة في راء الورَق لتصبح وراق حتى يستقيم الوزن :
فظلا يخيطان الوراق عليهما *** بأيديهما من أكل شرِّ طعامِ
وقول الشاعر ، وقد أشبع فتحة الراء في كلمة (العقرب) لتصبح :
أعوذ بالله من العقراب *** الشائلات عقد الأذناب
وجاء في (كتاب الجمل ...) للفراهيدي : " أما ألف الإقحام فقولهم للعقرب عقراب ومثله قول الله جل وعز ( وكذبوا بأياتنا كذابا ) قال الشاعر:
أعوذ بالله من العقراب ****الشائلات عقد الأذناب (43)
ويذكر ابن رشيق في (عمدته) ) قول قيس بن زهير ، وقد أشبع حركة تاء الفعل المجزوم (يأتيك) :
ألم يأتيك والأنباء تنمى ***بما لاقت لبون بني زياد (44)
ب - الاختلاس:
يعني النطق بالحركة سريعًاً ( خطفاً) ، وهو ضد الإشباع ، أي تقليل موجة الكم الصوتي لحروف اللين إلى مدى كمّ الحركات المجانسة لها ، لكي يستقيم الوزن ، وقد استخدم سيبويه المصطلح ، بقوله : " وأما الذين لا يشبعون فيختلسون اختلاسا "(45)
. وهو جائز على مستوى الحروف والحركات ، ونعني حركات الضمائرالتي يمكن أن تُختلس ، وتُمنع من الإشباع كـ (منْهُ) ، (عنْهُ) ، (إليْهِ) ، (عليْهِ) ، ، فالحرف قبل الضمير ساكن ، أمّا إذا كان إشباع الضمير واجباً ، لأن الحرف الذي قبل الضمير محرّك، فلا يجوز اختلاسه كـ (لَهُ) ، (بِهِ) ،و (كلَّهُمُ) . فمثلاً البحتري في البيت التالي (الكامل) ، لم يشبع الهاء في كلمة (فيهِ) :
أظْهرْتَ عزّ الدين فيهِ بجحفلٍ *** لجب يحاط الدين فيه وينصرُ
وسنقطع صدر البيت ، لنعرف علّة عدم الإشباع : أظْهرْتعزْ (متْفاعلن) ، زدْدي نفي(متْفاعلن) ،هبجحْ فلن ( متفاعلن) ، إذا أشبعت كسرة الهاء ، يكسر البيت ، فتصبح التفعيلة (ماتفاعلن) .
ومن هذا الاختلاس الحركي أيضاً، قول السموأل :
وما قلّ منْ كانتْ بقاياه مثلنا *** شباب ٌ تسامى للعلا وكهول(46)
لم يشبع الشاعر الهاء في كلمة (بقاياهُ)،ولو أشبعها لانكسر الوزن ، تعال معي رجاءً ، سأقطع لك صدره ، الذي يتضمن (بقاياه) ، البيت من الطويل ، وللطويل عروضة واحدة مقبوضة ، فتفعيلات الصدر (فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن ) ، إذاً :
وماقلْ (فعولن ) ، لمن كانتْ (مفاعيلن) ، بقايا (فعولن)، همثْ لنا (مفاعلن ) ، ولو شبعت الهاء يتولد لنا هومثْ لنا (مستفعلن) ، وهذا التفعلية غريبة على الطويل ، قينكسر البيت !!
أمّا الحروف فيجب اختلاس ألف (أنا) عند الوصل ، وتثبيتها يُعدّ ضرورة ، ولكن عند الوقف تثبت ، كما في نهاية القافية ،يقول الجواهري :
بأبي أنت لا أبي لكِ كفؤٌ ولا أنا
ومثال الاختلاس أيضاً قول المغيرة بن حبناء :
ولا أنزِلُ الدار المقيمَ بها الأذَى *** ولا أرْأم الشيْ الذي أنا قادرهْ(47)
فالاختلاس في ألف (أنا) الذي تكتب ولا تنطق، كما أنّ ألف (أنا) قد تكتب وتنطق في حالة الإشباع كقول الشاعر للطرافة :
مرّ الجرادُ على زرعي فقلتُ لهُ*** الْزْم طريقَك لا تولَعْ بإفْساد
فقال منهم خطيبٌ فوقَ سنبلةٍ**** أنَا على سفَرٍ لا بــدَّ من زادِ
ويمكن اختلاس حروف العلّة ، كما اختلس الشاعرالقديم الألف في كلمة (وصّني) بالشطر التالي:
وصّاني العجاج فيما وصَّني
فالألف حوّلت إلى فتحة ضرورة ، والأصل :
(وصّاني العجاج فيما وصَّاني)
وقد حذفت الألف حين كتابة الشعر ، كي يعلم القارئ الكريم أنَّ الاختلاس ضرورة ، وإليك حين تريد قطع همزة وصل ضرورة ، من المفروض أن تضع القطعة فوقها أو تحتها ، كما في كلمة (الاثنين) حين قطعها في الشعر فقط ضرورة تكتبها هكذا (الإثنين ) ، وهذا لا يجوز في النثر مطلقاً .
وقد لا تكتب بعض الضرورات الشعرية في دواوين لشعراء مشهورين ، أما السببه فقد يكون الإهمال ، أو من باب الخطأ الشائع خير من الصحيح الضائع ، فيترك أمر القراءة لنباهة القارئ اللبيب ، أو لقلة معرفة المشرفين على الطبع ، فمثلاً من أشرف على دواوين الجواهري الكبير ، وقعوا في هذا الخطأ المطبعي ، أو الجواهري نفسه تركه لذوق القارئ وثقافته ، وهي نادرة جداً ، ونحن نذكرها لغرض الدراسة والبحث ، والأمانة العلمية ، فمثلاً قد اختلس ياء (حمورابي) في البيت التالي (البسيط) :
هنا حموراب سنَّ العدل معتمداً *** به على حفظ أفرادٍ وعمرانِ
لم يكتب ياء حمورابي على أساس الاختلاس ، وهذا هو الصحيح ، فلو كتب الياء ، التفعيلة الثانية تكون (فاعيلن ) ، وليس (فاعلن) ، فينكسر البيت ، وكاتب هذه السطور ، أيضا لم يكتب ياء المخاطبة ، وعوضها بالكسرة للضرورة نفسها ، في الشطر (فدعِ العــراقَ بشعبهِ وترابهِ ) .
نرجع ،وفي البيت الآتي يختلس الجواهري ألف (غاندي ) لفظاً ، وتكتب في الديوان خطأً ، لأن بوجود الألف ، لا يستقيم وزن (فاعلاتن) إلاّ بـ (صانغن دي) بالاختلاس، البيت من (الخفيف) ، وكتبت التدوير صحيحاً ، وليس كما ورد في الديوان ، إذ كتبت الهند كلها في العجز :
صان غاندي دم الجموع وصانَ الـ *** هندَ أن تستبيحها شعواء
ومن قصيدة (براها) : من (مجزوء الكامل) :
براها سلام كلما ***خفق الصباح على جناحِ
لايستقيم الوزن إلا باختلاس ألف براها (برَهَا سلا متفاعلن) ، وقد كتبت الألف ، والأفضل عدم كتابتها .
لكي لا نطيل عليك ، ونترك سعة للراحة والتأمل والإعادة والإفادة ، ولك أنْ تحسب ما تشاء ، ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله ) ، شكراً لصبركم الجميل .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(26) بعض المصادر تذكر تشبع الحركات إلى حروف مد ، وهي ليس بخطأ إذا كانت حركات الروي أو الوصل من جنس الحركة المشبعة وهو الغالب الأعم ، ولكن في (النغم الشعري عند العرب ) للدكتورين المذكورين سابقاً ص253 يستخدمان حروف اللين بمكان المد، وأنا معهما لأن حروف اللين أعم ، أي كل حرف لين بالضرورة هو حرف مد ، والعكس غير صحيح -راجع الهامش في الحلقة الثانية .
(27) سحر بابل وسجع البلابل : السيد جعفر الحلي ص دار الأضواء - بيروت 1988م الطبعة الثانية .
(28) ديوان المتنبي : شرح العسلي ص م. س.
(29) سحر بابل ...: ص م. س.
(30) ميزان الذهب : السيد أحمد الهاشمي ص م. س.
(31) ديوان المتنبي : ص م. س.
(32) نُسِب البيتان إلى الإمام الشافعي , ولكن على أغلب الظن مجهولة القائل .
(33) ديوا ن دعبل : ص - ت الدجيلي
(34) ديوان السيد حيدر الحلي : ج1 ص الطبعة الرابعة 1984م- مؤسسة الأعلمي بيروت.
(35) ديوان دعبل بن علي الخزاعي : ت. عبد الصاحب الدجيلي ص دار الكتب اللبنانية ط2سنة 1972 م بيروت .
(36) الشوقيات : ديوان أحمد شوقي م1 شرح علي العسيلي ص - مؤسسة النور 1998م بيروت.
(37) شرح إبن عقيل : بهاء الدين عبد الله بن عقيل العقيلي المصري الهمذاني (4 / ) ، دار الفكر - دمشق - الطبعة الثانية ، 1985 - تحقيق : محمد محيي الدين عبد الحميد
(38) راجع ( القوافي ) : أبو يعلى التنوخي - الوراق - الموسوعة الشاملة .
وهكذا ورده أحمد السيد كردي - كنانة أونلاين ، وغيره.
وفي (عيار الشعر) لابن طبا طبا العلوي يود الفتى طول السلامة جاهداً
و في ( مجمع الحكم و الأمثال ) لأحمد قبش : يحب الفتى طول السلامة والغنى
(39) الكامل : المبرد - - الوراق - الموسوعة الشاملة.
(40) لسان العرب : أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ( ابن منظور) - ج - ص - دار صادر - 2003 م -
(41) م. ن.
(42) راجع : نشأة النحو العربي ومسيرته الكوفية... : كريم مرزة الأسدي - ص - دار الحصاد ط 1 - 2003 م - دمشق .
(43) كتاب الجمل في البحث : الخليل بن أحمد الفراهيدي ( ) الطبعة الخامسة ، 1995م - تحقيق د.فخر الدين قباوة
(44) العمدة : ابن رشيق القيرواني ( ) - الوراق - الموسوعة الشاملة .
(45) دراسات في اللغة : اتحاد الكتاب العرب :
(46) شرح ديوان الحماسة ، اختاره أبو تمام الطائي. : شرح يحيى بن علي التبريزي - - دار القلم - بيروت .
(47) بهجة المجالس وأنس المجالس : ابن عبد البر ( ) - موقع الوراق - الموسوعة الشاملة.
ابن عبد البر
مصدر الكتاب : موقع الوراق
0 comments:
إرسال تعليق