( حِوارات خَندَريسية )
تتسّعُ الفجوةُ كالهوّةِ ما بين النجمينِ القُطبي والدُبّي
لا تعرفُ آماداً أو حدّا
الصاعدُ والهابطُ سيّانِ
كالحابلِ والنابلِ والبائلِ من فَرْطِ السُكْرِ
ما رأيُ الكوفيِّ الكِندي ؟
المتنبي :
(( وجدتُ المُدامةَ غلاّبةً
تُهيّجُ للقلبِ أشواقَهُ
تُسئُ من المرءِ تأديبَهُ
ولكنْ تُحسِّنُ أخلاقَهُ ))
< يا أبا الطيّب : كيف فصلت الأدبَ عن الخُلق ؟ سيء الأدب هو في عين الوقت سيء الخُلق وسيء الخُلق لا بُدَّ وأنْ يكونَ سيء الأدب ... تمام لو أني غلطان بالنمرة ؟ ... الحاصل >
الخمرةُ كالجمرةِ في أفواهِ العُشّاقِ معاميدا
تتنقّلُ فيهمْ شَرْقاً ـ غَرْبا
أقوى من ريحٍ في قَلَقِ البيداءِ
( على قَلَقٍ كأنَّ الريحَ تحتي / المتنبي )
تأخذُ شاربَها نحو الأُفُقِ العالي فالأعلى
تخلَعهُ ممّا فيهِ ومن قبضةِ ماضيهِ
يحلمُ في مريمَ طاووسا
تتراءى وَثَناً ليلى معبودا
الصحوُ ثقيلٌ مسمومٌ فتّاكُ
يتآكلُ فيهِ ميزانُ الطبِّ السينائي
تضمرُ قوّاتُ التحصينِ الصحّي
تنفصلُ الروحُ وتعتلُّ الألوانُ
ما رأيُكَ يا ابنَ الهاني ؟
أبو نؤاس /
سبق وأنْ قُلتُ :
(( وداوني بالتي كانت هيَ الداءُ ))
أحسنتَ أحسنتَ يا أبا نؤاس لكنكَ لم تذكرْ صدرَ هذا البيت :
(( دَعْ عنكَ لومي فإنَّ اللومَ إغراءُ ))
الذي أفاد منه بَعدكَ شاعرٌ آخرُ ظَلَمته وهزمته عاصمته بغداد فقتله حبٌ له فيها بعيداً في بلاد الأندلس حيث قال مخاطباً حبيبته البغدادية :
لا تعذليهِ فإنَّ العَذلَ يُولِعُهُ ..
هناك في بيتك لومٌ وهنا عذْلٌ في بيت ابن زُريق البغدادي واللومُ أخ العذل كما قد تعرف.
ثمَّ إنك تعتبرُ الخمرةَ داءً ودواءً في عين الوقت تعتلُّ إذا لم تشربها وتصحُّ إنْ تعاطيتها.
علّقَ أبو نؤاس قائلاً : لم يذكرْ ابنُ زُريق الخمرةَ في قصيدته المعروفة أبداً. قلتُ كان قد حرّمَها على نفسه تديّناً أو إفلاساً.
الخمرةُ في رأسِ الشاربِ شيطانُ
تجعلُهُ أكبرَ من شاهِ ملوكٍ شاهنشاهي
يتقاوى فيها بأسا
يتردّى وعيا
يفترشُ الكونَ سحابةَ خَمْرٍ مختومٍ مِسْكا
ينقشُ فيهِ الياقوتَ مِدادا
ومِراسَ القوّةِ في ضَعْفِ الرِسِّ المنسي
ما رأيُ نؤاسيِّ " أمينِ اللهِ " خليفتنا ؟
أبو نؤاس / سبقَ أنْ قُلتُ :
(( ألا فاسقني خمراً وقُلْ لي هيَ الخمرُ
ولا تسقني سِرّاً إذا أمكنَ الجهرُ ))
وفي مناسبة أخرى قلتُ :
(( عاجَ الشقيُّ على رسمٍ يُسائلُهُ
وعُجتُ أسألُ عن خمّارةِ البَلَدِ ))
من فيكم يجرؤ اليوم على قول ما كنا قد قلنا وزماننا لا ريبَ غير زمانكم ؟
أفحمتني يا ابنَ هاني. الحق معك. كنتم أشجع وأصدق منّا.
الآن جاء دورك يا أبا الطيّب فاذكرْ لنا بعض ما قلتَ في الخمرة الكُميت والخندريس والصهباء وقهوة أبي نؤاس. قال المتنبي حسناً ... قلتُ :
(( إذا ما الكأسُ أَرعَشت اليدينِ
صحوتُ فلمْ تَحُلْ بيني وبيني
أغارُ من الزجاجةِ وهي تجري
على شَفَةِ الأميرِ أبي الحُسينِ ))
ثم قلت في إحدى قصائدي :
(( وللسرِّ منّي موضعٌ لا ينالُهُ
نديمٌ ولا يُفضي إليهِ شَرابُ ))
علّقَ أبو نؤاس قائلاً : ها يا أبا مُحسّد ؟ وتدّعي أنك لم تشرب في حياتك خمراً . كيف عرفت إذاً أنَّ الخمرة كشّافةٌ تفضح ما في الضمائر وما تُخفي الصدور ؟ تبسّم المتنبي وقال إنهم الشعراء يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يقولون وفي كل وادٍ يهيمون ويسرحون ... ألمْ يقل الشاعر السيّد حيدر الحلي :
(( سَتَرتها بفمي كي لا تَنِمَ بنا
فأججتْ شُعلةً ما بين آماقي ))
ومعروف عن هذا الرجل أنه لم يقرب الخمرة طوال حياته. الحاصل !
مِسك ختام مجلس اليوم :
الخمرةُ مزجُ زُجاجِ الوهمِ المُتكسِّرِ أقداحا
يتداخلُ فيها صوتُ غناءِ النادلِ صدّاحا
رجعٌ يأتي مُرتدّاً أضعافا
فاجعلْ كأسكَ إكسيرا
واجبِلْ رأسكَ أنخابا
الليلةَ شِعْرٌ دُفٌّ نَقْرُ مِزمارُ.
0 comments:
إرسال تعليق