الشاعرة العراقية وفاء عبد الرزاق تحاكي وجدانها ، وتغمس يراعها بجراحات القلب ..!
وفاء عبد الرزاق شاعرة وقاصة وروائية عراقية مسكونة بعشق وطنها العراقي حد السكين ، مصابة بالقلق ، وما يقلقها همها الانساني والوطني ويشدها حتى الألم ، ولقصيدتها مذاق خاص كطعم رطب نخيل بلاد الرافدين .
وفاء عبد الرزاق تغمس يراعها بجراحات القلب ، الذي تستمد منه مداد الحروف لنصها ، دافعها هو الاحساس والشعور والعاطفة الجياشة والرومانسية الحالمة والواثع المر والوجع الانساني والهم العراقي .
الشعر لديها هو مشاعرها المتفجرة من اعماقها وأحاسيسها المختلفة ، من حزن وشجن وأسى وفرح وهموم وحب وآهات وزفرات وجراحات وأحلام وآمال وخيبات وخيالات وأفكار ، وفي كل الأحوال تحاكي وجدانها ، فترسم حروفها وكلماتها بألوان زاهية متنوعة في لوحة فنية ابداعية جميلة ، فيها من الصدق والشفافية والعغوية والنعومة ، مستمدة مادتها من مخيلتها ومعاناة شعبها ووطها الذبيح الجريح ، الذي يئن تحت نيران الطائفية البغيضة .
وفاء عبد الرزاق من الأصوات الشعرية العراقية الجميلة النقية العذبة ، التي ابحرت في رحلة الابداع والتألق ، وهي من مواليد البصرة العام ١٩٥٢، تركت العراق وتعيش غربتها في مدينة الضباب لندن ، وهي رئيس ومؤسس رابطة الابداع من أجل السلام ومقرها لندن ، وسفيرة النوايا الحسنة في الشرق الاوسط ، ونائب رئيس البيت الثقافي العربي في الهند .
بدأت وفاء قرض الشعر متذ صغرها وفي سن التاسعة من عمرها تحديداً ، حيث نشأت بين أحضان وكنف أسرة تهوى الأدب وتكتب الشعر الفصيح والعامي ، وهي تكتب كي تتنفس وتحس أن الحياة بدون نبض وبوح وتعبير وتدوين ليست بحياة ، تكتب لتسافر داخلها وتتغلغل الى وجدان وأعماق غيرها . الشعر يلازمها طوال الوقت ولا تعتقد أنه سيغادرها حتى الموت ، ويتجلى الشعر ايضاً في كل حالاتها التعبيرية في قصصها ووواياتها .
عملت وفاء واشتغلت على تطوير ملكتها الشعرية وادواتها الفنية ومضامينها الفكرية ، وكونت لنفسها ذاتاً شعرية متجددة متفردة في لغتها واسلوبها ، وفرضت حضورها الساطع المشع وذاتها الشعرية بجدارة وتميز رانعين من خلال نصوصها الابداعية التي تختلف الى حد كبير عن مجايليها ، بصورها وتعابيرها وموسيقاها واستعاراتها واوصافها وتشبيهاتها ولغتها الرقراقة الصافية كينابيع الماء المتدفقة .
نشرت وفاء عبد الرزاق كتاباتها وتجاربها الشعرية في العديد من الصحف والمجلات العراقية والعربية والمواقع الالكترونية ، وشاركت في العديد من المهرجانات الشعرية والأمسيات الثقافية عربياً وعالمياً ، ابرزها مهرجان السلام العالمي للشعر في فرنسا .
وهي غزيرة الكتابة والانتاج في مجالات الشعر والقصة والرواية ، ولها عشرات الاعمال في هذه المضامير ، ومن ابرز مجاميعها الشعرية :" هذا المساء لا يعرفني ، حين يكون المفتاح اعمى ، للمرايا شمس مبلولة الاهداب ، نافذة فلتت من جدران االبيت ، امنحني نفسي والخارطة ، البيت يمشي حافياً ، ادخل جسدي ادخلكم ، مدخل الى الضوء ، من مذكرات طفل الحرب " وغير ذلك .
تضم دواوين غادة عبد الرزاق قصائد عديدة ، متنوعة في موضوعاتها وموتيفاتها الوطنية والعاطفية الوجدانية والحزينة والعامة ، وهي نبضات وهمسات حب لعراق الرافدين ودجلة والفرات ، ودفقات وجودية وانسانية بامتياز ، ذات هاجس لا ينقطع عن المحاولة الدائمة للفراق من آسار الجملة التعبيرية ، وتحاكي في اندفعاتها المتتالية ذاك اللهيب الغاضب المستعر في حنايا أنفاسها وادراكاتها غير المنجزة ، وكذلك ايماءات شعرية تتناسب وحضورها الألق المتوهج مع ما بمر به وطنها العراقي من أزمات ومحن ، فتضيف الى ذائقتنا براحاً شعرياً واسعاً رهيفاً لا بنتهي أثره ، ونجد عالماً شفافاً من الصدق والرقة والاحساس ، اجتمعت لصاحبته الشاعرية والمعرفة وحرارة الانفعال وصدق التجربة والشعور ، وكلماتها نبضات موحية ، ومقطوعاتها الشعرية فيها مواقف شفافة راقية ، ومشاعر رقيقة سامية . وتأتي قصائدها فطرية تشبه نوعاً من الاحلام التي تحمل في طياتها حباة انسانية .
وفاء عبد الرزاق شاعرة تصدح كالبلبل الذي يجيد غناءه ، ولا يعرف حدوداً ببن الامكنة ولا تتقيد بزمن ، وتعتمد على الخيال المجنح لبناء صور فنية بعبدة عن التقريرية والمباشرة لتوليد رؤيتها للوجود بمعنى انها تضع الشعر في قصيدة النثر .
ويجب الاعتراف أن وفاء عبد الرزاق مجددة بعيدة عن التقليد ، تحافظ على وحدة القصيدة ، وعلى النهج الأدبي الصحيح ، يضاف الى ذلك عمق بالتفكير ورهافة بالحس والمشاعر ، ونابعية قوية تهدر وتتدفق كالسيل العارم المندفع ، وهي شاعرة انسانية في شعرها تستمده من جوهر الحياة ، وجمال طبيعة العراق ووحي القيم والمثل العليا ، ما تقوله وتستخرجه بقطع شعرية المعاني الرائعة المفيدة للحياة .
وتكشف قصائد وفاء عبد الرزاق بوضوح من النظرة الاولى كيف انها تملك ناصية اللغة الشعرية ، وكيف تصوغ شعرية في الفاظ نقية حلوة صافية تعنى باختيارها اشد العناية ، ويتضح لنا عنصر آخر في فنها الشعري ، وهذا العنصر هو جمال الموسيقى الشعرية عندها ، فموسيقاها أنيقة كأناقتها ، مطربة ، وليس موسيقى غائمة غامضة .
وكل من يلج عالم وفاء عبد الرزاق يستشف الجمال اللغوي والمعرفي والتصويري ، ويتجلى امامه معزوفات شعرية كاملة متكاملة تقودها وفاء بحرفية قائد الاوركسترا ، وقصيدتها بمثابة غوص في لجة وبحر الشعر والالهام والابداع لتبليغ هدفها ومغزاها ومعناها ومقاصد الشاعرة الانسانية وتعزيز الاصول اللغوية وجعلها جسراً يمتد بين الماضي والمستقبل ،حتى ترتقي الى مستوى الوحي وتقديس الكلمة .. لنسمعها تقول في قصيدة " الحزن الجميل " :
الحزنُ الجميل..
الموتُ على الشرفةِ غابة ٌ
وقحطُ أفئدة
يا رائحةَ الكنائسِ ورأفة َالشموع..
القلوبُ معلـّـقة ٌ برياح الحُزن
تطردُ الأذى الصمغ
فانظري لتلك المرأةِ
التي أوقدتْ قلبَها للدعاء.
أيها الإله الغافي على نشيدِ الأعمدة
سرقوكَ منكَ
وباسم المنشار الأعمى
حَصدوا الرقاب.
أيها الإلهُ المتوَّجُ بوهمِنا
أنرْ قلبَك
إلى التي بكى نهرُها
في راحتيكَ واهتز مثرثراً:
سلامٌ سلامٌ
سلامٌ سلام.
أيتها السكينة ُالراجفةُ
أيها الضوءُ المترددُ في الهُطول
هبْها عابرا ً
يجمعُ تيهَها ويأتي
بالمسك
القارورةُ سلامٌ
والعطرُ غيبتهُ الرذائلُ
أتأتي حقاً
إلى مَن قاد الرمادُ عطرَها لهيبتـِك؟
كانت فجرا ً يُطلق موعدَهُ ويتعثر.
الشارعُ حسينيّ الصوت
أنساها حُسنَها في قارعاتِ الطبول
واستطالت الأفضية ُالسود.
أيها الإلهُ المذهَّبُ بالنور
الدهرُ عقربٌ
والأشبارُ لا تقترب
خذ يقظة َالمجانين
وعبئ الأشجارَ بشهيقِ الروح
كي لا تسقط َالعصافير.
لنخدع لغة َجُرح ٍمفتوح
الأطفالُ يحومون حول الحُلُمِ
والمستنقعاتُ تهندسُ براحتِها الأيامَ
وتُغطسُ الصرخة َ بالأوحال.
أيها الإلهُ العاشقُ للتأويل
ترفَّق بأصابع ِالأطفال
دعها ترسمُ بهجة َخُطواتِهم
فبيتُهم القصبي يرطنُ:
حسين
يا حسين
يا...
يا ..
المتشابكُ بالدعاء
أورثتنا الهدايا كهفـَها
وأضحية َالتركات
يحقُ للطفلةِ أن تتنفسَ
فلماذا يكبـِّلـُها الهواء؟
أوقدتُ لها ماءَ المرايا
وللدوالي آنية ًمن فضة.
أدرْ القدحَ
ثمة عطبٌ في الرأس
والرئة ِالنافذة،
ثمةَ مَن يقيسُ الكارثة َبالصوت
ثمة َأطفالٌ للدهشة
وثمة من أعطى لنفسِهِ حقَ خنق الزهر
أيها الإلهُ الجميل
كيف ترضى أن يلبسَ وجهَك القبحُ
ويدنسَ ربوبيتـَك؟
يا ربَّ الدمعةِ والنـُطفة
الرمادُ خطوتـُنا الممزقة
والحلُمُ فضيحة ُالخرائطِ
الأجسادُ التي تطايرت
لها أجنحةُ ُالموج
وبهاءُ الزرقة..
أرني ساعتـَك
فقد عطب لقلب
ولا يصلحُ للنبض.
أيها الإلهُ البهيّ
أطالَ الشيطانُ لحيتـَهُ
وشربَ الأدعيةَ
فأسكنِّي قلبَك
ليس لي إقامةٌ ٌفي اللغةِ اللغز
أيها العرشُ الجليل
أمِنَ المصادفةِ ألاَّ يأتي نبيُّ المرحلة؟
ها قد تجمَّر النسيمُ، السكونُ اتـَّقد
وحان وقت الصَّاعقة.
وهذه القصيدة تعتمد على مجموعة من الظراهر الاسلوبية الفنية ، وثمة قصائد اخرى تقوم على البناء اللغوي والهندسي الدقيق للايقاع وكثافة الدلالات من خلال صور رومانسية منتزعة من الواقع .
تمتاز وفاء عبد الرزاق بالجهد والاتقان للأثر الفني ، تشغل فكرها وتتبع جزيئات الموضوع ، فلا تترك منه شيئاً يساعدها على ذلك سوى فطرتها الملهمة وطبعها الشعري الأصيل ، وميلها الآسر للتحرر والانطلاق وثقافتها الواسعة الشمولية التي استوعبت وهضمت أنواعاً كثيرة ، وهي بالوصف والتصوير بنوع خاص رائعة مبدعة تحاكي العراق ونخيله .
ومن يتأمل ويعيش في أجواء قصيدتها يخرج منها باحساس واضح انه يعيش في عالم من الموسيقى ، وهي موسيقى لها قوتها وسيطرتها على الوجدان ووقعها على الأذن ، وهاتان الميزتان ، ميزة التعبير الشعري الصافي ، وميزة الموسيقى الواضحة الجميلة هما اثمن ما في قصيدة وفاء من مميزات فنية ، وهما الميزتان القادرتان على أن تربط المتلقي من الاطلالة الاولى بشاعرتنا الجميلة الفاتنة المبدعة المدهشة الساطعة المضيئة .
وفاء عبد الرزاق تحس بغبن العشق ، وهي جريئة في تعبيراتها واختيار اللغة والكلمات المعبرة لحالاتها ، تتمرد وتثور ، تصرخ وتغني ، فتأتي قصائدها حارقة انفعالية وجدانية ثورية ، وتتصف قصيدتها بعذوبة النقاء والطهارة .
اخبراً ، تحية من ثرى فلسطين الى شاعرة الجمال والصفاء والاحساس ، الصديقة ابنة البصرة العراقية وفاء عبد الرزاق ، ومزيداً من الرقي والازدهار والاشعاع الشاعري ، والسؤال : هل تعود شاعرتنا الخصبة الى عراقها حين يعود كما كان في مراهقتها ..؟؟!
**
كلمة حق ولمسة وفاء وتحية تقدير للأديب الفلسطيني محمد علي سعيد ( أبو علي )
محمد علي سعيد كاتب وأديب وناقد فلسطيني أصيل وملهم ، راسخ الجذور ، مرهف الاحساس ، ضليع في اللغة وحارسها الأمين ، طويل النفس ، لم يدع يراعه يفلت من يده منذ أن اقتحم محراب الأدب ، ولبسته ربة الالهام والابداع .
انه أحد الأسماء الأدبية والتربوية البارزة والحاضرة بقوة في الساحة الثقافية في هذه الديار ، وينتمي الى جيل السبعينات من القرن الماضي . وكنت تعرفت على كتاباته من خلال صحيفة " الأنباء " المحتجبة ، ومجلة " الشرق " ومجلة " مشاوير " وغيرها من الصحف والمجلات الأدبية والثقافية .
محمد علي سعيد شخصية أدبية وثقافية تفرض الاحترام والاعجاب والتقدير بلا قهر ولا اغتصاب ، والذين لا يعرفونه لا يستطيعون أن يزنوه بكتبه ومؤلفاته وأعماله ومنجزاته الابداعية والنقدية والبحثية وحدها ، فأبو علي أعظم من آثاره كلها ، وانسانيته الخصبة تتجلى في حياته أكثر من مؤلفاته وأدبه الرفيع ، ولم ير الناس منه سوى ومضات ، فتكفي روحه وابتسامته وقلبه ونطافته ودماثته واستقامته للحكم على أصالته الأدبية وهمته العالية وانسانيته الرحبة العظيمة .
ما يميزه صدقه وعفويته وانسانيته وصراحته المعهودة ، وقدرته على الاطراء في مكانه الصحيح ، ولا يخشى لومة لائم في قول كلمة الحق ، وكما قال عنه صديقي الكاتب والشاعر الفحماوي أحمد مصطفى كيوان : " محمد علي سعيد بمثابة العقد الفريد بين الأدباء والآصدقاء بسبب ما تمتع به من صفات كثيرة وحميدة من النادر أن تتجمع في شخص واحد ، انه وبدون مجاملة ، انسان حقيقي ووطني نظيف وأديب مبدع وعلى خلق عظيم " .
محمد علي سعيد من مواليد العام ١٩٥١ في قرية البعنة الجليلية ، لوالدين أصلهما من قرية شعب التي نزح أهلها العام ١٩٤٨ ، ويقيم منذ العام ١٩٧٥ في طمرة بالجليل .
تعددت اهتماماته في المجالات والابداعات الأدبية والثقافية ، قصة ومسرحاً ونقداً ولغة وتراجم ، عدا المقالات والدراسات التي وجدت طريقها الى شتى المنابر الثقافية والمواقع الأدبية والصحفية . وقد أغنى أدبنا ومكتبتنا الفلسطينية باعماله القصصية وكتبه الادبية والنقدية والمسرحية واسهاماته في العملية التربوية والتعليمية بمؤلفاته " الرائد ، فهم المقررء ، ويوميات المطالعة " .
وكان قد أصدر كتابه الأول " مسافر في القطار " العام ١٩٧٢ عن مكتب السلام في عكا قبل ان يتحول لمؤسسة " الأسوار " بادارة العزيزين يعقوب وحنان حجازي ، وما زال معين قلمه فياضاً متدفقاً .
أنيطت بمحمد علي سعيد مهمة سكرتير تحرير مجلة " الشرق " ومن ثم رئاسة تحرير ومدير المجلة بين السنوات ١٩٩٠ - ١٩٩٤، وساهم في تعميق مشروع التوثيق والنشر واصدار الاعداد الخاصة بابداعات اعلامنا وتكريمهم وهم على قيد الحياة ، ومع صدور العدد الثاني من المجلد التاسع والثلاثين عاد من جديد ليتولى رئاسة مجلة " الشرق " خلفاً للأديب والشاعر العبليني الراحل جورج نجيب خليل ، وبقي ارتباطه مع المجلة وشيجاً ووثيقاً حتى احتجابها وتوقفها عن الصدور .
وانتخب محمد ايضاً عضواً في مؤسسة " الأسوار " ومركز ثقافة الطفل المنبثقة عن المؤسسة بادارة السيدة حنان حجازي .
محمد علي سعيد حظي بمحبة كل المبدعين وأصحاب القلم وأهل الثقافة ، وقد فتح أبواب غرفة مكتبته لكل الدارسين في الجامعات والمعاهد العليا والمتخصصين في الابحاث ، فكان عوناً وسنداً لكل المواهب الأدبية المزهرة التي تحتاج الى دعم ومؤازرة والأخذ بها نحو عالم الأدب والابداع ، وهو يدهشك بمعرفته بتفاصيل الحركة الثقافية المحلية واطلاعه على ما هو جديد في المشهد الثقافي العام .
وكان محمد علي سعيد اصدر قبل فترة من الزمن معجمه عن شعراء فلسطين ، وهو اضاءات مشرقة على سيرة وحياة وأعمال معظم شعراء الوطن ، ويشكل مرجعا هاماً لكل الباحثين والمهتمين بالحياة الأدبية والشعرية في البلاد .
محمد علي سعيد كنز من كنوزنا الثقافية النفيسة التي لا يمكننا الاستغناء عنها ، وعن جهوده الطيبة والمباركة في خدمة الثقافة والمثقفين ، الأدب والمتأدبين ، فهو عقل راجح ، وفكر متقد ، وشاخص أدبي ، وروح هائمة بحب اللغة وعشق الوطن ، وناقد رصين متزن ، لا يحابي ولا ينافق ، ولم يغبن حق أحد من أهل القلم وأصحاب الكلمة ، ينافح دفاعاً عن الموقف الثقافي والأدبي والانساني ، ويتقرى الأبعاد الجمالية في الاعمال الابداعية .
محمد علي سعيد عاطاك العافية على مجهودك ونشاطك الثقافي ، فقد أعطيت الكثير وخدمت الأدب ، واسهمت في تطوير الحركة الأدبية ، فلك ايد بيضاء ، ولك حضورك الراقي الساطع على الساحة الأدبية ، لك أحر التحيات ، والمزيد من الرقي والعطاء والاشعاع خدمة لثقافتنا العربية في البلاد ، مع خالص المحبة والتقدير . وما أحوجنا لمن هم أمثالك .
**
الواقع العربي وثقافة المستقبل ..!
نعيش مرحلة مخاض عسير بعد الانتكاسة الفكرية ، وأفول الهوية القومية ، وحالة الارتداد القيمي ، وسيطرة التمترس الديني تحت يافطات حركات التأسلم السياسي ، وآخرها ولادة داعش .. وما ادراك ما داعش ، التي قامت بأفعال فاقت حد المعقول ، واجتازت جميع حدود الانسانية ، من قتل وانتهاك للحريات ، وطمس للتراث ، وتهديم للمساجد والكنائس ، وتحطيم تماثيل عمالقة الفكر والثقافة في العراق وسوريا .
ان المراد اليوم هو تغييب العقل وحجب الثقافة العقلانية المتنورة ، وتسييد ثقافة الجهل والخزعبلات تحت يافطات الجهاد الزائفة .
وما من أحد أكثر من الأديب العربي الدكتور طه حسين ، تجسيداً لهذه العقلانية في العالم العربي لتطبق عليه الظلمة التامة ، ولا يزال يتعرض للاغتيال الفكري وهو في ضريحه ، على ايدي جماعات التطرف والتكفير والتحجر والتعصب الديني .
وفي الواقع أن ابلغ رد على محنة الثقافة العربية الراهنة ، هي العودة الى تراث المعري وابن رشد وابن خلدون وطه حسين والتنويريبن في عصر النهضة ، ومن هم بوزنهم من مفكري وفلاسفة العصر الحديث ، واضاءتهم للتراث الفكري العقلاني في ثقافتنا ، التي يتمثل حاملها في مرتكزين اساسيين هما البعد الوطني المستهدف ، باستشراء الغلواء المذهبية الطائفية التي مزقت النسيج الوطني والاجتماعي والأهلي ، والبعد الديمقراطي المستهدف الآخر تحت تأثير نمو وصعود التيارات السلفية المحافظة التي تستهدف الحداثة كفكرة ونمط حياة ، ممثلة بالثيوقراطية الدينية ، التي تدعي زيفاً انتسابها للدين ، وهي نقيض له في كل شيء .
الماضي لا يعيد نفسه ، ولكن الثقافة العربية باقية ، وليس لجيلنا أن يحدد ماذا سيبقى منها ، فالثابت عندنا انها باقية ، لانها نواة المدار الحضاري العربي الاسلامي .
المهمة العاجلة هي محو الأمية ، والقضاء على الجهل والفقر الثقافي المتعاظم في المجتمعات العربية بالقطع الصارم ببن الثقافة والجهالة .
ومن الواضح أن هذه المسألة تقع على عاتق ما تبقى من مثقفين ومفكرين وفلاسفة عرب جدد .
المطلوب اليوم وغداً ، العقلنة الموضوعية لقراءة ثقافتنا العربية المعاصرة بنزاهة أكثر علماً لينهل الفرح من معينها ، وثمة حاجة لوجوب نهضة فكرية وثقافة معاصرة ، وضرورة التجديد والتحرير والتغيير، والاطلاع على ثقافات انسانية وفلسفات جديدة ، علاوة على تجفيف منابع الارهاب ، ومكافحة التطرف الديني ، ومعاداة الانسان والحياة ، شأن ثقافة حقوق الانسان وتحرير المرأة ، وتسييد فكر التنوير وثقافة العقل والضوء .
محمد علي سعيد كاتب وأديب وناقد فلسطيني أصيل وملهم ، راسخ الجذور ، مرهف الاحساس ، ضليع في اللغة وحارسها الأمين ، طويل النفس ، لم يدع يراعه يفلت من يده منذ أن اقتحم محراب الأدب ، ولبسته ربة الالهام والابداع .
انه أحد الأسماء الأدبية والتربوية البارزة والحاضرة بقوة في الساحة الثقافية في هذه الديار ، وينتمي الى جيل السبعينات من القرن الماضي . وكنت تعرفت على كتاباته من خلال صحيفة " الأنباء " المحتجبة ، ومجلة " الشرق " ومجلة " مشاوير " وغيرها من الصحف والمجلات الأدبية والثقافية .
محمد علي سعيد شخصية أدبية وثقافية تفرض الاحترام والاعجاب والتقدير بلا قهر ولا اغتصاب ، والذين لا يعرفونه لا يستطيعون أن يزنوه بكتبه ومؤلفاته وأعماله ومنجزاته الابداعية والنقدية والبحثية وحدها ، فأبو علي أعظم من آثاره كلها ، وانسانيته الخصبة تتجلى في حياته أكثر من مؤلفاته وأدبه الرفيع ، ولم ير الناس منه سوى ومضات ، فتكفي روحه وابتسامته وقلبه ونطافته ودماثته واستقامته للحكم على أصالته الأدبية وهمته العالية وانسانيته الرحبة العظيمة .
ما يميزه صدقه وعفويته وانسانيته وصراحته المعهودة ، وقدرته على الاطراء في مكانه الصحيح ، ولا يخشى لومة لائم في قول كلمة الحق ، وكما قال عنه صديقي الكاتب والشاعر الفحماوي أحمد مصطفى كيوان : " محمد علي سعيد بمثابة العقد الفريد بين الأدباء والآصدقاء بسبب ما تمتع به من صفات كثيرة وحميدة من النادر أن تتجمع في شخص واحد ، انه وبدون مجاملة ، انسان حقيقي ووطني نظيف وأديب مبدع وعلى خلق عظيم " .
محمد علي سعيد من مواليد العام ١٩٥١ في قرية البعنة الجليلية ، لوالدين أصلهما من قرية شعب التي نزح أهلها العام ١٩٤٨ ، ويقيم منذ العام ١٩٧٥ في طمرة بالجليل .
تعددت اهتماماته في المجالات والابداعات الأدبية والثقافية ، قصة ومسرحاً ونقداً ولغة وتراجم ، عدا المقالات والدراسات التي وجدت طريقها الى شتى المنابر الثقافية والمواقع الأدبية والصحفية . وقد أغنى أدبنا ومكتبتنا الفلسطينية باعماله القصصية وكتبه الادبية والنقدية والمسرحية واسهاماته في العملية التربوية والتعليمية بمؤلفاته " الرائد ، فهم المقررء ، ويوميات المطالعة " .
وكان قد أصدر كتابه الأول " مسافر في القطار " العام ١٩٧٢ عن مكتب السلام في عكا قبل ان يتحول لمؤسسة " الأسوار " بادارة العزيزين يعقوب وحنان حجازي ، وما زال معين قلمه فياضاً متدفقاً .
أنيطت بمحمد علي سعيد مهمة سكرتير تحرير مجلة " الشرق " ومن ثم رئاسة تحرير ومدير المجلة بين السنوات ١٩٩٠ - ١٩٩٤، وساهم في تعميق مشروع التوثيق والنشر واصدار الاعداد الخاصة بابداعات اعلامنا وتكريمهم وهم على قيد الحياة ، ومع صدور العدد الثاني من المجلد التاسع والثلاثين عاد من جديد ليتولى رئاسة مجلة " الشرق " خلفاً للأديب والشاعر العبليني الراحل جورج نجيب خليل ، وبقي ارتباطه مع المجلة وشيجاً ووثيقاً حتى احتجابها وتوقفها عن الصدور .
وانتخب محمد ايضاً عضواً في مؤسسة " الأسوار " ومركز ثقافة الطفل المنبثقة عن المؤسسة بادارة السيدة حنان حجازي .
محمد علي سعيد حظي بمحبة كل المبدعين وأصحاب القلم وأهل الثقافة ، وقد فتح أبواب غرفة مكتبته لكل الدارسين في الجامعات والمعاهد العليا والمتخصصين في الابحاث ، فكان عوناً وسنداً لكل المواهب الأدبية المزهرة التي تحتاج الى دعم ومؤازرة والأخذ بها نحو عالم الأدب والابداع ، وهو يدهشك بمعرفته بتفاصيل الحركة الثقافية المحلية واطلاعه على ما هو جديد في المشهد الثقافي العام .
وكان محمد علي سعيد اصدر قبل فترة من الزمن معجمه عن شعراء فلسطين ، وهو اضاءات مشرقة على سيرة وحياة وأعمال معظم شعراء الوطن ، ويشكل مرجعا هاماً لكل الباحثين والمهتمين بالحياة الأدبية والشعرية في البلاد .
محمد علي سعيد كنز من كنوزنا الثقافية النفيسة التي لا يمكننا الاستغناء عنها ، وعن جهوده الطيبة والمباركة في خدمة الثقافة والمثقفين ، الأدب والمتأدبين ، فهو عقل راجح ، وفكر متقد ، وشاخص أدبي ، وروح هائمة بحب اللغة وعشق الوطن ، وناقد رصين متزن ، لا يحابي ولا ينافق ، ولم يغبن حق أحد من أهل القلم وأصحاب الكلمة ، ينافح دفاعاً عن الموقف الثقافي والأدبي والانساني ، ويتقرى الأبعاد الجمالية في الاعمال الابداعية .
محمد علي سعيد عاطاك العافية على مجهودك ونشاطك الثقافي ، فقد أعطيت الكثير وخدمت الأدب ، واسهمت في تطوير الحركة الأدبية ، فلك ايد بيضاء ، ولك حضورك الراقي الساطع على الساحة الأدبية ، لك أحر التحيات ، والمزيد من الرقي والعطاء والاشعاع خدمة لثقافتنا العربية في البلاد ، مع خالص المحبة والتقدير . وما أحوجنا لمن هم أمثالك .
**
الواقع العربي وثقافة المستقبل ..!
نعيش مرحلة مخاض عسير بعد الانتكاسة الفكرية ، وأفول الهوية القومية ، وحالة الارتداد القيمي ، وسيطرة التمترس الديني تحت يافطات حركات التأسلم السياسي ، وآخرها ولادة داعش .. وما ادراك ما داعش ، التي قامت بأفعال فاقت حد المعقول ، واجتازت جميع حدود الانسانية ، من قتل وانتهاك للحريات ، وطمس للتراث ، وتهديم للمساجد والكنائس ، وتحطيم تماثيل عمالقة الفكر والثقافة في العراق وسوريا .
ان المراد اليوم هو تغييب العقل وحجب الثقافة العقلانية المتنورة ، وتسييد ثقافة الجهل والخزعبلات تحت يافطات الجهاد الزائفة .
وما من أحد أكثر من الأديب العربي الدكتور طه حسين ، تجسيداً لهذه العقلانية في العالم العربي لتطبق عليه الظلمة التامة ، ولا يزال يتعرض للاغتيال الفكري وهو في ضريحه ، على ايدي جماعات التطرف والتكفير والتحجر والتعصب الديني .
وفي الواقع أن ابلغ رد على محنة الثقافة العربية الراهنة ، هي العودة الى تراث المعري وابن رشد وابن خلدون وطه حسين والتنويريبن في عصر النهضة ، ومن هم بوزنهم من مفكري وفلاسفة العصر الحديث ، واضاءتهم للتراث الفكري العقلاني في ثقافتنا ، التي يتمثل حاملها في مرتكزين اساسيين هما البعد الوطني المستهدف ، باستشراء الغلواء المذهبية الطائفية التي مزقت النسيج الوطني والاجتماعي والأهلي ، والبعد الديمقراطي المستهدف الآخر تحت تأثير نمو وصعود التيارات السلفية المحافظة التي تستهدف الحداثة كفكرة ونمط حياة ، ممثلة بالثيوقراطية الدينية ، التي تدعي زيفاً انتسابها للدين ، وهي نقيض له في كل شيء .
الماضي لا يعيد نفسه ، ولكن الثقافة العربية باقية ، وليس لجيلنا أن يحدد ماذا سيبقى منها ، فالثابت عندنا انها باقية ، لانها نواة المدار الحضاري العربي الاسلامي .
المهمة العاجلة هي محو الأمية ، والقضاء على الجهل والفقر الثقافي المتعاظم في المجتمعات العربية بالقطع الصارم ببن الثقافة والجهالة .
ومن الواضح أن هذه المسألة تقع على عاتق ما تبقى من مثقفين ومفكرين وفلاسفة عرب جدد .
المطلوب اليوم وغداً ، العقلنة الموضوعية لقراءة ثقافتنا العربية المعاصرة بنزاهة أكثر علماً لينهل الفرح من معينها ، وثمة حاجة لوجوب نهضة فكرية وثقافة معاصرة ، وضرورة التجديد والتحرير والتغيير، والاطلاع على ثقافات انسانية وفلسفات جديدة ، علاوة على تجفيف منابع الارهاب ، ومكافحة التطرف الديني ، ومعاداة الانسان والحياة ، شأن ثقافة حقوق الانسان وتحرير المرأة ، وتسييد فكر التنوير وثقافة العقل والضوء .
**
0 comments:
إرسال تعليق