رفض الرئيس الأمريكى أول أمس المصادقة الدورية على التزام إيران ببنود وإجراءات الاتفاق النووى متذرعاً ببعض الحوادث الاجرائية التى واجهت فرق الفحص والتفتيش أثناء فحص المنشأت النووية الايرانية خلال العام الماضى؛ ولم يخفى رفضه المبدئى للاتفاق برمته على اغتبار أن الاتفاق فى حينه لم يتطرق لمنظومة التسلح الايرانى بكاملها بما فيها برامج إيران الصاروخية الباليستية أو حتى للدورالايرانى الاقليمى البارز الذى كان لقرابة أربع عقود يناوئ فى معظم الأحيان السياسة الأمريكية فى المنطقة، لكن فى المقابل تدرك الادارة الأمريكية اليوم أن حظوظها فى إلغاء الاتفاق النووى شبه معدومة كون الاتفاق أصبح وثيقة دولية صادق عليها مجلس الأمن الدولى إضافة إلى أن مجموعة دول (خمسة زائد واحد) وقعت عليه كأطراف؛وهو ما يعنى أن خروج الطرف الأمريكى إن حدث لن يلغى الاتفاق مع بقاء الدول الخمس الأخرى وذلك يفسر أن التهديدات الأمريكية بالانسحاب من الاتفاق هى مقدمة لسياسية أمريكية جديدة ضمن استراتيجية بعيدة المدى فى المنطقة تهدف بالأساس لكبح جماح التمدد الروسى فى الاقليم والذى تُعد إيران أحد أهم أذرعه الفاعله والأساسية .
إن الرسالة التى ترسلها الإدارة الأمريكية الأخيرة وإن كان عنوانها إيران إلا أنها موجهة بالأساس إلى الكرملين ومفادها أن المس بإيران أصبح مسألة وقت إن لم تتوقف إيران حيث وصلت أذرعها اليوم فى المنطقة وتتراجع الى الخلف، علمأ أن الادارة الأمريكية اليوم ترسم الحدود الجغرافية لمناطق نفوذها السياسى والاقتصادى فى المنطقة لعقود قادمة ومن الواضح أنها راغبة فى توثيق ذلك ضمن اتفاقات رسمية تضمن كبح جماح القوة الاقليمية الايرانية وهى المهمة التى من الواضح أن الاتفاق النووى الإيرانى لم يلبها .
يتوقف الأمر يتوقف اليوم على رد الكرملين على الرسالة الأمريكية بالسلب أو بالايجاب؛ وفى كلا الحالتين ستكون إيران فى قادم الأيام فى قلب الحدث حيث تقف فيالق حرسها الثورى وبشكل خاص فى العراق الذى لم يُحسم أمره بعد ضمن خارطة النفوذ الاستراتيجى بين الروس والأمريكان، وعليها أن تدرك أن الوفاق الأمريكى الايرانى فى العراق الذى امتد لقرابة العقدين قد انتهى اليوم بعد أن استنفذ مقومات وجوده بانهيار دولة داعش، ولم يعد مقبولا الوجود الايرانى فى العراق وانتهاءه أصبح مسألة وقت قد يعجل بها أى تدخل عسكرى إيرانى من قبل الحشد الشعبى الذى يقوده جنرالات الحرس الثورى الايرانى فى المناطق التى يسيطرعليها الأكراد بقوات البيشمركة والتى نظم فيها استفتاء لاستقلال الاقليم الشهر الماضى والتى تضم مناطق من أغنى المناطق النفطية فى العراق ككركوك والتى تعد من المناطق المختلف عليها فى ترسيم حدود الاقليم الكردى .
خروج العراق من دائرة النفوذ الايرانى بات اليوم أمراً حيوياً بالنسبة للولايات المتحدة، فالعراق جغرافياً صلة الوصل للمحور الروسى الممتد من موسكو حتى شواطئ المتوسط وسيشكل استعادته للنفوذ الأمريكى ضربة قاسمة للتمدد الروسى فى الإقليم؛ وهذا يعنى أن الأرض العراقية قد تكون ساحة المواجهة فى قادم الأيام بين الروس والأمريكان عن طريق وكلاء محليين إيرانيين وعراقيين شيعة وأكراد وعرب سنة، وقد تنزلق الأمور لصراع مسلح تكون نتيجته فى أسوء الأحوال تقسيم العراق ضمن اتحاد كنفدرالى كردى شيعى سنى يلعب دور الحياد ضمن مناطق النفوذ لكلا القوتين العظميين.
ولكن فى ظل المتغيرات السياسية المتتالية تبقى الأمور خاضعة لكل الاحتمالات ضمن صراعات المصالح الاستراتيجية للقوى العظمى وتفاهماتها، وتبقى الدول الاقليمية الأقوى الأكثر ربحاً والأقل خسارة والتى ومع الأسف لا يوجد ضمنها أى دولة عربية .
ولا عزاء للضعفاء .. ولا مكان لهم تحت الشمس ... تلك معادلة لا تقبل الجدل فقد حسمها التاريخ سلفاً .
0 comments:
إرسال تعليق