تاريخياً لم ترسل الامبراطوريات جنودها للموت عبر البحار إلا من أجل الثروات، فالاقتصاد هو ضمير السياسة وقلبها النابض لدى أى كيان سياسى عادى فكيف والحديث يدورعن امبراطوريات يمتد حدود أمنها القومى عبر قارات العالم، فلا اختلاف يُذكر بين الماضى والحاضر غير أن الذهب الأصفر تحول إلى ذهب أسود وآخر شفاف فإينما يوجدان ستجد جنود القوى العظمى بقربه تراقبه وتحمى تدفقه وتحتكر عطاءات التنقيب عليه لصالحها وتطفئ حروب وتشعل أخرى من أجله فبقدر ما لديك من استحواذ على مصادر الطاقة والثروة يقيم دورك الامبراطورى على هذا الكوكب. تلك هى معادلة السياسة بين القوى العظمى فى هذا العالم والتى تلعب فيها شركات التنقيب عن النفط والغاز الدور الحيوى والخفى بين الاقتصاد والسياسة وهو ما يفسر انتماء رؤساء دول عظمى ووزراء ومسؤولين كبار فى وزارات خارجياتها ودفاعها لتلك الشركات كمدراء ومسؤولين كبار فيها، ورغم هبوب رياح العولمة وتحول كثير من الشركات الكبرى إلى شركات متعددة الجنسيات إلا أن تلك الشركات حافظت على نمطها السياسى باعتبارها أدوات امبراطورية فلن تجد أى وجود روسى أو صينى يُذكر فى شركة مثل شيل أو بريتش غاز رغم تحولهما إلى شركات متعددة الجنسيات؛ فشركة شيل مثلا الهولاندية البريطانية الأصل تمتلك الولايات المتحده ما يزيد عن 40% من أسهمها، وفى المقابل لن تجد للولايات المتحدة أى وجود يذكر فى شركات التنقيب الروسية أو الصينية العتيدة فهناك حواجز امبراطورية وخطوط حمراء وصراعات وحروب باردة يدور رحاها بهدوء وصمت بعيداً عن الأنظار لكنها تظهر فى سياسات تلك الامبراطوريات وتتجلى عندما يتعدى طرف الخطوط الحمراء فيضطر الطرف الآخر لايقافه، وهنا تنشأ الأزمات التى قد تتحول إلى حروب تدارعادة بالوكالة بواسطة قوى إقليمية لصالح الدول الامبراطورية إذا لم تفلح الدبلوماسية فى تحقيق الهدف طبق موازين القوى على الأرض، ونموذج نفط بحر قزوين نهاية القرن الماضى شاهد على تسلل الامبراطورية الأمريكية إلى عمق منطقة نفوذ اقتصادى سوفيتية تاريخية ووضع يدها على جل نفط بحر قزوين عبر عطاءات تنقيب من جمهوريات تفككت بعد الانهيار الامبراطورى السوفيتى لكننا نرى لاحقاً كيف جمدت روسيا الوريث الشرعى للامبراطورية الروسية المخطط الأمريكى عبر تعطيل كل فرص نقل نفط وغاز بحر قزوين إلى خارجه بالطرق القانونية عبر الطعن فى أحقية كازخستان فى إبرام عقود التنقيب لتعارضها مع اتفاقية الحدود البحرية للدول المطلة عليه مما جعل كلفة نقله عبر مسارات أمريكية بعيداً عن النفوذ الروسى أمراً عالى التكلفة وفى النهاية بقى النفط والغاز مكانه فى أعماق بحر قزوين .
اليوم نحن أمام نموذج مماثل فى منطقتنا وتحديداً فى منطقة شرق المتوسط الممتدة من الساحل السورى إلى لبنان مروراً بساحل فلسطين التاريخية وصولاً إلى ساحل الدلتا فى مصر،وطبقاً لخرائط المسح الجيولوجى تتربع تلك المنطقة على كنز من الغاز والنفط يقدر بتقديرات أولية بأكثر من 370 تيرليون متر مكعب من الغاز وقرابة 2 بليون برميل من النفط لم يكتشف منها إلا قرابة 50 تريليون مما يعنى أن المنطقة لا تزال بكراً، وهنا الاقتصاد يفسر السياسة فى المنطقة إذا ما علمنا أن تطوراً علمياً حديثاً فى تقنيات التنقيب قد حدث خلال العشرة سنوات الماضية أتاح لشركات التنقيب الوصول إلى عمق يزيد عن 2000 متر فى المياه البحرية وهو ما أحدث ثورة فى تقنيات التنقيب عبر البحار؛ وكان له فضل الكشف عن كنز شرق المتوسط وهو ما يفسر حالة التسلح البحرى لإسرائيل عبر شراء غواصات متقدمة تعمل بالطاقة النووية، وهو ما يفسر كذلك سيلان لعاب الدب الروسى وهرولته سريعاً نحو شرق المتوسط وتحديداً إلى الساحل الروسى بكل عدته وعتاده، وهو ما يفسر كذلك فى الجانب الآخر المساعى الأمريكية المحمومة لإنهاء الصراع عبر صفقة القرن لتوفير الأمن والاستقرار لشركات التنقيب والتى بدورها لا تعمل الإ فى أجواء آمنة ولتقوية تحالفاتها فى المنطقة والتى لا تعيقها إلا القضية الفلسطينية ، وتلك الصفقة إن تمت فسيكون لها الفضل فى حصر النفوذ الروسى فى الساحل السورى واللبنانى على أقصى تقدير وهو ما يعنى ضم المنطقة للنفوذ الامبراطورى الاقتصادى الامريكى والسيطرة على حصة الأسد من كنز شرق المتوسط وتلك هى صفقة القرن الحقيقية الذى تحدث عنها الرئيس الأمريكى دونلك ترامب مراراً، وهنا يظهر سبب آخر فى ضرورة ضم قطاع غزة لمسيرة التسوية والضوء الأخضر الأمريكى لانهاء الانقسام والذى سبقه بسنة تقريباً شراء شركة شيل التى تمتلك الولايات المتحدة ما يزيد عن 40% من أسهمها لحصة بريتش غاز والتى تبلغ 54% فى حقل مارين والذى هو حقل فلسطينى بالكامل.
إن دولة فلسطين تمتلك حق التنقيب فى مساحة بحرية تناهز 9000 ميل مربع من مساحة شرق المتوسط طبقا لقوانين التنقيب الدولية، لكن حق التنقيب هذا أُعطى لشركة بريتش غاز قبل أن تبيعه لشركة شيل مؤخراً ضمن اتقاقية تنقيب وقعت فى العام1999 وأعطى بموجوبها امتياز التنقيب ل15 عام فى ساحل قطاع غزة لشركة بريتش غاز بحصة تقارب54% مما يكتشف من آبار و29 % لشركة اتحاد المقاولون و17 % لصالح السلطة الوطنية الفلسطينية، ولم يمضى إلا عام حتى تم اكتشاف حقل مارين على عمق لا يتعدى 600 متر وهو أقل آبار الغاز عمقاً حتى اليوم لكن الشركة فى حينه لم تفصح عن مخزون الحقل من الغاز إلى أن صرحت مصادر إسرائيلية رسمية مطلعة فى شركة الطاقة والكهرباء الاسرائيلية قبل عامين ولأسباب مجهولة بالرقم الحقيقى لمخزون الحقل والذى يناهز 1.4 ترليون قدم مكعب من الغاز بقيمة تناهز 6 مليارات دولار، وهنا علينا أن نخمن ما تخفيه الأكمة وراءها من خرائط سرية لشركة شيل وبريتش غاز لثروة الغاز التى يطفوا عليه قطاع غزة الفقير المحاصر.
وأمام هذه المعادلات الامبراطورية التى لا تقيم وزن الإ لمصالحها وأطماعها؛ علينا نحن الفلسطينيين أن نستفيد من هذه التطورات وأن نمضى قدماً فى المصالحة الفلسطينية ولا نسمح لأحد بعودتنا لمربع الانقسام مهما حدث والاتفاق على برنامج وطنى يكفل الشراكة السياسية للجميع وكذلك نعمل على استثمار هذه التداعيات الاقتصادية للدفع بمشروعنا الوطنى الذى يحقق قيام دولتنا الفلسطينية ضمن تسوية سياسية عادلة ومتوازنة .
0 comments:
إرسال تعليق